استبق رأس النظام السوري، بشار الأسد، حضور وفده في مؤتمر المناخ (cop28) المنعقد في دولة الإمارات، بمجزرة راح ضحيتها عشرة مدنيين بينهم خمسة أطفال، إضافة الى عدد من أشجار الزيتون المعمّرة في جبل الزاوية جنوب إدلب، والتي تحوّلت الى رماد بفعل القصف الصاروخي من معسكرات قوات الأسد.

كعادتهم، يصطحب المزارعون في موسم قطاف الزيتون كل العائلة الى الحقل خلال قطاف الثمار، والسعادة بادية على وجوههم بجني محصول الزيتون وما يتخلّله من أجواء خاصة تبعث الفرح بين السكان، بمن فيهم الأطفال والمسنّون.

عائلة قدي بغالبية أفرادها، والتي تسكن في قرية  قوقفين في جبل الزاوية، تقصد الحقل يومياً منذ ساعات الصباح الباكر ، وتعود نحو الساعة الرابعة إلى المنزل حاملة معها ما جنته من ثمار. بيد أنهم يوم السبت 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، عاد أفراد العائلة إلى المقبرة بعد مقتلهم جميعاً بقصف صاروخي من قوات الأسد أثناء عملهم بقطاف الزيتون بحسب العم أبو إبراهيم أحمد قدي.

يقول أبو أحمد إن أفراد عائلتي شقيقه وشقيقته استفاقوا صباح السبت، وتوجهوا الى حقل الزيتون الموروث عن العائلة منذ القدم في المنطقة التي تعج بأشجار الزيتون، والأمل يحدوهم بأن يعود الزيتون عليهم بمحصول جيد يُمكّنهم من إصلاح منازلهم التي تدمّر قسم كبير منها بقصف النظام خلال السنوات الماضية، فما الذي اقترفه هؤلاء الأبرياء لينالوا هذا العقاب؟!.

على مدار الساعة، تشهد مناطق جبل الزاوية جنوب إدلب وسهل الغاب غرب حماة، تحليقاً متواصلاً لطائرات الاستطلاع الروسية، التي تكشف كل حركة في المنطقة بحسب الناشط أحمد العلي، إذ تعتمد قوات النظام في قصفها على ما تلتقطه الطائرات من صور، والتي كانت من بينها صور لعائلة القدي في حقل الزيتون، لتعمل قوات النظام المتمركزة في قرية المنارة على استهدافهم بشكل متعمّد  أثناء تجمّعهم حول الأشجار وقطافها، وهذا ما يؤكده الضرر الكبير اللاحق بالأشجار ومكان تساقط القذائف والجثث.

يقول الناشط أحمد رحال، “كنت أول الواصلين الى مكان القصف الصاروخي في حقل زيتون قريب من قرية قوقفين، لأرى مشهداً يصعب نسيانه، إذ كانت جثامين الأطفال وأهاليهم مقطّعة الأوصال تحت أشجار الزيتون وأدوات القطاف متناثرة والأشجار محروقة جزئياً أو كلياً، إضافة الى ألعاب الأطفال المصنوعة محلياً والممزقة بالقصف، والتي اصطحبها الأطفال ليلعبوا بها أثناء عمل أهاليهم بقطاف الزيتون.

الزيتون والقمح أشدّ أعداء النظام

لم تكن هذه المجرزة الوحيدة المرتكبة من قوات النظام ضد المزارعين، إذ قتلت العام الماضي عدداً من المزارعين في بلدة البارة الواقعة في المنطقة ذاتها، جراء تفخيخ مئات الدونمات المزروعة بالزيتون على خطوط سيطرتها الأولى في ريف إدلب الجنوبي.

يناصب الأسد العداء لكل ما يبعث الحياة للسكان شمال غربي سوريا، لا سيما الزراعة التي يعتمدون عليها كمورد أساسي لمعيشتهم. فقد صعّدت قوات النظام خلال السنوات الثلاث الماضية، من قصفها الصاروخي والمدفعي لأشجار الزيتون وحقول القمح بحسب المزارع السبعيني طلال الدلة المنحدر من جبل الزاوية، إذ يعود تاريخ زراعة الزيتون في المنطقة الى آلاف السنوات الماضية، ومع الوقت أصبحت جزءاً من ثقافة المنطقة وهويتها. وسنوياً، تقوم قوات النظام بتدمير وقصف مئات الأشجار المعمّرة من خلال عملياتها العسكرية، فيما تصعب إعادة غرس بديل منها والوصول الى إنتاجيّتها المثلى، والتي تتطلّب أكثر من 10 أعوام.

تؤمن أشجار الزيتون لسكان المنطقة عيشاً كريماً وترطّب الهواء صيفاً، ومن أغصانها الزائدة يتدفأ الأهالي شتاءً، لتكون شجرة الزيتون بمثابة الأم الرؤوم على أولادها في منطقة جبل الزاوية. أما الأسد وقواته فيعملون على قصف الأشجار وتخريبها ويلوّعون قلوب أصحابها عليها كما جاء على لسان المزارع طلال الدلة.

تتحمّل مئات العائلات العاملة في الزراعة في منطقة جبل الزاوية، سكن المخيمات على الحدود السورية – التركية حيث المعيشة متدنية والحياة قاسية، هرباً من إجرام بشار الأسد وروسيا وقصفهما. إلا أن عشرات العائلات عادت هذا العام إلى بعض القرى لإصلاح منازلها التي دمرها القصف والبدء بحياة جديدة بما يتوافر من مقومات، بحسب عبدالهادي الجبار المنحدر من منطقة جبل الزاوية، إذ يشتاق المزارعون الى السكن قرب حقولهم وبساتينهم للاعتناء بها  كي تعطيهم إنتاجاً كبيراً. لكن بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام وميليشياتها في قرية قوقفين، عادت تلك العائلات أدراجها إلى السكن في المخيمات مجدداً وبشكل قسري.

جرائم لا تسقط بالتقادم

استبقت قوات النظام جريمتها البيئية ضد أشجار الزيتون بجريمة مشابهة طاولت أشجار الفستق الحلبي في ريف حماة، إبان سيطرتها على المنطقة خلال العامين 2019-2020 وما تلاها من نزاع بين قيادات الميليشيات التابعة لقوات النظام، لا سيما الدفاع الوطني والدفاع الذاتي وميليشيا “فاطميون” وضباط الفرقة الرابعة والفرقة السادسة، بغية السيطرة على حقول الفستق الحلبي وجني محاصيلها لصالح تلك القيادات، والذي انتهى بحرائق مفتعلة لنحو 5000 دونم مزروعة بالفستق الحلبي  في محيط مدينة كفرزيتا شمال حماة، في ظل نزاع داخلي للسيطرة على محاصيلها، بالتزامن مع عمليات قطع كبرى لأشجار الزيتون العائدة الى مئات السنين في المنطقة من الميليشيات ذاتها، واستخدامها حطباً للتدفئة بحسب الناشط شحود جدوع.

كذلك، سجّل العام الماضي نفوق أطنان من الأسماك والكائنات النهرية في نهر العاصي في محافظة حماة، بسبب تفريغ نظام الأسد مخلّفات معمل سكر تل سلحب وما تحتويه من مياه ملوّثة في مجرى النهر باعتراف مدير هيئة تطوير الغاب المهندس أوفى وسوف، ما أسفر عن نفوق 80 في المئة من الكائنات في النهر، وفي مقدمها أمهات الأسماك القديمة في النهر والسلطعون والضفادع، ناهيك بتدمير البنية البيئية في النهر الذي استعمله نظام الأسد كمصرف وحيد لمياه معمل سكر تل سلحب، ومصانع أخرى ومجاري الصرف الصحي، ليتحوّل النهر الاستراتيجي في سوريا إلى مكب قمامة بدراية نظام الأسد وتوجيهاته.

يقول الأكاديمي السوري الدكتور يحيى العريضي، إن بشار الأسد هو أول من دمر البيئة والمناخ في سوريا، واليوم يذهب لحضور مؤتمر المناخ، ما يشير الى أن حضوره سياسي أكثر مما هو هادف للحفاظ على المناخ، إذ تحاول الإمارات إعادة “تكريره”، لكن تلك المحاولة هي كالنفخ في قربة مثقوبة.

منظمة Temple Garden Chambers البريطانية المعنية بالبيئة، دعت في تقرير لها، إلى إلغاء دعوة الأسد لحضور قمة المناخ (COP28)نهاية الشهر الجاري في الإمارات، مؤكدة أنّ حضوره القمة هو تبييض لجرائمه البيئية.

وقالت في تقريرها، إن دعوة الإمارات للأسد هي إساءة استخدام للقمة لتبييض الجرائم البيئية الواسعة التي ارتكبها الأسد وقواته المسلّحة في سوريا.

وبحسب التقرير الذي نشر في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 وأعده هوارد موريسون، القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، ينبغي معالجة الآثار البيئية لحرب الأسد على البلاد في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP28) بدلاً من حضوره.

ويسلّط التقرير الضوء على الأضرار البيئية الواسعة التي سببتها الحرب في سوريا، بما في ذلك إزالة الغابات وتسرب النفط والأمطار الحمضية والمشاكل الصحية الكبيرة التي يعاني منها السوريون.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” أيضاً، انتقدت دعوة الأسد لحضور قمة المناخ في دولة الإمارات ، وقالت إنه لأمر مشين أن يُستغلّ المؤتمر الذي يهدف إلى تحفيز العمل المناخي، لإعادة حكومة النظام السوري إلى الساحة الدولية، من دون أي محاولة لضمان المساءلة عن انتهاكاتها الخطيرة.

وكانت صحيفة “الوطن” الناطقة باسم النظام السوري، نقلت عن رئيس حكومة الأسد حسين عرنوس قوله إنه سيترأس وفد النظام إلى مؤتمر المناخ ( cop28 ) المنعقد في دولة الإمارات في 30 تشرين الثاني 2023  في مدينة إكسبو دبي، حيث يجمع الأطراف الموقِّعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي لتقييم التقدم المحرَز على صعيد مكافحة التغيُّر المناخي. وسيوحّد الجهود العالمية لإيجاد حلول فعالة وعملية وطموحة للتحديات المناخية الملحّة.