بعد ثلاثة أيام من بدء تنفيذ وقف إطلاق النار في الحرب بين “حماس” وإسرائيل في غزة أطلق حوثيو اليمن 25 بحاراً كانوا يعملون على متن السفينة “غالاكسي لير” التي استولوا عليها. دافعهم إلى ذلك كان صلات السفينة بإسرائيل، علماً بأن العاملين على متنها كانوا من بلغاريا والمكسيك والفيليبين ورومانيا وأوكرانيا. إلى ذلك تعهّد هؤلاء بتقليص هجماتهم على السفن التي ترفع علم إسرائيل أو المملوكة بالكامل من أفراد أو كيانات إسرائيلية، وأكدوا أنهم “سينهون العقوبات المفروضة على السفن الإسرائيلية بعد التنفيذ الكامل لمراحل وقف إطلاق النار الثلاث في غزة”. كما أكد زعيمهم استعداد مقاتليه لاستئناف التعرّض للسفن في البحر الأحمر وبحر العرب إذا تعثرت الهدنة الهشّة في غزة، وإذا شنّت القوات الأميركية والبريطانية ضربات جديدة على أهداف في مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن.

 

كيف تُصنَّف السفن المارّة في المياه البحرية العربية؟ أولاً باستخدام صواريخ باليستية مضادة للسفن، يجيب باحث أميركي متابع أوضاع هذه المنطقة، وقد اعترضوا سفينتين العام الماضي، وتعرّضت سفينتان أخريان لأضرار جسيمة استدعت عمليات إنقاذ عاجلة تجنّباً لوقوع كارثة بيئية. وما زاد في تعقيد الأمر عدم وضوح قاعدة بيانات الشحن التي اعتمدها الحوثيون لمعرفة هوية مالكي السفن وأهدافهم بدقة، إذ اعتمدوا على معلومات غير دقيقة فأدّى ذلك إلى استهداف سفن لا علاقة لها بالنزاع. وفي شباط 2024 أصاب الحوثيون بصاروخ باليستي مضاد للسفن سفينة شحن عامة اسمها “روبيمار” ترفع علم دولة بيليز، وزعموا أنها بريطانية. إلا أنها كانت مملوكة من شركة مقرّها لبنان، علماً بأن الأخطاء كانت مقصودة أو ربما غير مقصودة، ولم تكن لها صلة ببريطانيا. استهدف الحوثيون أيضاً سفناً تابعة لشركة MSC (البحر الأبيض المتوسط للملاحة) المملوكة من أكبر شركة خطوط بحرية في العالم ومقرّها سويسرا وبرّروا ذلك بخطأ اعتبارهم إيّاها إسرائيلية. وعند فحص نحو مئة سفينة تعرّضت لهجوم الحوثيين أو أكثر بين نوفمبر 2023 وديسمبر 2024 اتضح أن عدداً محدوداً من السفن سُمح له بعبور خليج عدن وجنوب البحر الأحمر. وهذا مسار تسلكه سفن مرتبطة بالصين وروسيا، علماً بأن سفناً مرتبطة بتجارة النفط الروسية استُهدفت أيضاً بحجة أن بياناتها غير دقيقة.
كيف يجب مواجهة التهديد البحري الحوثي لحركة الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب؟ سيظل التهديد العسكري الحوثي المستمر للملاحة الدولية مصدر قلق كبير رغم إعلان الحوثيين قبل مدة وقف هجماتهم. يُجيب المتابع نفسه للوضع، ويُضيف: سيواصل الحوثيون استغلال البحر الأحمر ومضيق باب المندب باعتبارهما نقاط اختناق استراتيجية لإبراز قوتهم وممارسة نفوذهم في النزاعات الإقليمية. يُتوقع أن يؤسِّسوا مركزاً للمرور البحري لمراقبة السفن المارّة واستجوابها، وذلك على غرار مركز يديره “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” في مضيق هرمز. الطابع الانتهازي للحوثيين وعدوانهم المستمر على الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لم يتغيّر وسيستمر. وهم لا يزالون يمتلكون ترسانة متطوّرة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات مسيّرة هجومية بعيدة المدى وذات اتجاه واحد، وسيستمرون في نشاطهم العدائي رغم الضربات الجوية والأميركية تحديداً لهم. قد يستغل الحوثيون التوقف الحالي لإطلاق النار في غزة لإعادة تنظيم صفوفهم وإعادة تسلّحهم كما للتحضير لتنفيذ هجمات مستقبلية. واستمرار دعم إيران لهم مرجّح، فضلاً عن أن قواربهم غير المأهولة المحمّلة بالمتفجرات تمثّل تحدياً هاماً لجهة اكتشافها واعتراضها. ومخاطرها لا تقتصر على السفن بل تشمل البنية التحتية الحيوية في الدول الإقليمية المتحالفة مع الولايات المتحدة.

 

ما الإجراءات التي على الأخيرة اتخاذها من أجل تخفيف هذه التهديدات؟ هي خمسة، يجيب المتابع نفسه، أولها الحفاظ على وجود بحري منسّق ومستمر لضمان حرية الملاحة في المنطقة. ثانيها الاستثمار في تقنيات الكشف المتقدمة وتبادل المعلومات الاستخبارية والتدابير المضادة. ثالثها فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران والكيانات الأخرى المتورطة في تزويد الحوثيين بالأسلحة والموارد. رابعها تشكيل تحالفات إقليمية جديدة تضم دول البحر الأحمر مثل مصر وإريتريا والسعودية والسودان لتنسيق التدابير الدفاعية وضمان تأمين الممرات البحرية. أمّا خامسها فهو بناء تحالف لمواصلة الضغط الديبلوماسي والاقتصادي على إيران، مع تأكيد ضرورة توقف طهران عن دعمها العسكري للحوثيين. يعني ذلك أن عدم زيادة الضغط وبنسبة كبيرة على إيران وغياب التفاهم معها سيؤكدان استمرار الحوثيين وتحوّلهم جيشاً مهدّداً للمصالح الاستراتيجية لأميركا وحلفائها في المنطقة، علماً بأن ثبات الهدنة في غزة قد يكون العامل الأهم لاستمرار هدنة الحوثيين، إلا أن التطورات الأخيرة التي حصلت على جبهة الصراع الدولي مع حوثيي اليمن لا بد أن تدفع هؤلاء إلى إعادة النظر في مخططاتهم، إذ لم يعد يكفي استهداف سفن ترفع علم إسرائيل فالرئيس الأميركي ترامب قرّر ونفّذ في سرعة حرباً قد تكون شاملةً على حوثيي اليمن في الأيام الأخيرة. فهل تتسع لتشمل إيران الإسلامية؟

العلامات الدالة