على أكثر من خط، تحركت فرنسا باتجاه لبنان، في محاولة لتجنّب التصعيد في الجنوب. منذ عملية طوفان الأقصى، وانخراط حزب الله كداعم للمقاومة الفلسطينية، حطت في بيروت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، لتنقل تحذيراً واضحاً بوقف العمليات العسكرية، وإلا فإن إسرائيل ستعمل على شن ضربة كبرى تؤدي إلى خسائر كبيرة في لبنان.
بعدها، جاءت زيارة وزير الدفاع الفرنسي الذي تفقد قوات اليونيفيل، ولا سيما الكتيبة الفرنسية العاملة ضمنها، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الاستقرار، والالتزام بالقرار 1701. الخط الثالث كان بزيارة المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان، والذي شدد على ضرورة التمديد لقائد الجيش، وضبط الوضع في الجنوب، باعتبار المرحلة الحالية فرصة لتطبيق القرار 1701. أما الخط الرابع فكان مع زيارة رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه إلى بيروت، وعقده لقاءات مع مختلف المسؤولين، فيما عنوان الزيارة هو ضبط الوضع الأمني في الجنوب ومنع التصعيد.
فرضية الحرب
يندرج التحرك الفرنسي في إطار التنسيق مع لبنان من جهة، ومع اسرائيل من جهة أخرى، في ظل البحث الدولي المتركز مع تل أبيب حول كيفية إعادة الاستقرار إلى جنوب لبنان وتوفير الظروف الآمنة لعودة سكان المستوطنات الشمالية. ليس التحرك الفرنسي وحيداً، بل هو منسق مع دول عربية وغربية. كما أنه يأتي في موازاة الحركة التي يعمل عليها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وسط أفكار كثيرة تطرح حول كيفية حلّ الوضع الأمني في الجنوب أو تطبيق القرار 1701، مع إشارات إلى أن لا إمكانية لتعديل هذا القرار، ولا لوضعه تحت الفصل السابع، طالما أنه يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن وسيكون هناك فيتو روسي وصيني ضد تعديله.
على وقع الأفكار المطروحة، لا يزال كثر يطرحون سؤالاً أساسياً، إذا ما ستكون الحرب ذات إفادة لحزب الله؟ أم أنها ورطة؟ وهل أن حماس عملت على توريط الحزب بها؟ واستدرجته إلى مواجهات لا يريدها، لكنه أصبح مضطراً لخوضها تحت عنوان وحدة الجبهات ودعم الفلسطينيين؟
فما جرى يشير إلى تغيير وضعية جبهة الجنوب اللبناني من جبهة باردة إلى جبهة ساخنة. وهو ما سيفرض البحث عن آلية جديدة لإعادة تبريدها، في ظل الضغط الإسرائيلي وضغط سكان المستوطنات الشمالية على الحكومة الإسرائيلية لتوفير ظروف آمنة لعودتهم. وهذه العودة لا بد أن تكون مرتبطة بظروف سياسية وأمنية “تطمئن” المستوطنين في الشمال.
إلى ما قبل 7 تشرين الأول
فمنذ خريف العام 2006 إلى 7 تشرين الأول 2023 كانت تنظر اسرائيل إلى الجبهة الشمالية بأنها من أبرد الجبهات، وهو ما يرتبط بتوازن الردع، والقرار 1701، وقواعد الاشتباك. هذا الواقع تغير بعد المواجهات التي خاضها الحزب، على الرغم من الالتزام بقواعد الاشتباك. ولدى البحث في الوضع بجنوب لبنان يتم ربطه أو مقارنته بما يجري في غزة عسكرياً، علماً أن الأمر يرتبط بالمسار السياسي في القطاع بمرحلة ما بعد الحرب. وهذا ما تسعى الدول إلى بلورة صيغة حوله. وهو ما نقله برنار إيمييه حول العمل على إعادة الاستقرار لتجنب التصعيد. ومن بين الأفكار المقترحة أن يتوقف حزب الله عن الاستمرار في عملياته العسكرية من الجنوب، وسحب قوة الرضوان إلى شمال نهر الليطاني. لكن الحزب رفض ذلك مطلقاً، معتبراً أن المواجهات مستمرة إلى أن تتوقف الحرب في غزة. أما بشأن قوة الرضوان فإن حزب الله بكل جسمه مقاتل، ولا يمكن أن يسمح بإخراجه من الجنوب.
يطرح الحزب فكرة واضحة بأنه بعد توقف الحرب على غزة ستعود الأمور في جنوب لبنان إلى ما كانت عليه قبل أحداث 7 تشرين الأول.
التفاوض والحدود البرية
ما طرحه إيمييه في بيروت، ليس بعيداً عن طروحات أميركية جرى تقديمها سابقاً، سواءً من قبل رئيس المخابرات الأميركية وليم بيرنز قبل سنوات، حول إيجاد حل للحدود البرية بما فيها مزارع شبعا.. أو من قبل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي يصر على إيجاد حل للحدود البرية. وهنا لا بد من العودة إلى ما قاله آموس هوكشتاين في مؤتمر المنامة قبل حوالى شهر، حول عدم التعرض بأي صاروخ لحقل كاريش في البحر، وهو الحقل الوحيد المستمر بالعمل، وعدم حصول أي ضربة في البحر هو دليل على نجاح المسار السياسي لاتفاق ترسيم الحدود البحرية، وهو ما سيتم البحث بمثله لتكريسه على الحدود البرية. ولا يمكن فصل المسعى الفرنسي والأميركي، عن ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول التفاوض عبر الأمم المتحدة لحل المشكلة الحدودية. وما هو مطروح دولياً يقوم على مبدأ التفاوض والأخذ والعطاء، وليس فقط على مبدأ التهديد. وتشير مصادر ديبلوماسية غربية إلى أن المساعي جدية للوصول إلى حلّ وإعادة الإستقرار بموجب القرار 1701 ومعالجة الوضع العسكري.
من بين الأفكار التي ستكون مطروحة، تعزيز العمل في سبيل إنجاز ترسيم الحدود البرية، والتفاوض حول كيفية معالجة وضع قوة الرضوان على الحدود، وإنهاء مظاهر الظهور المسلح، بالإضافة إلى حصول لبنان على مساعدات مالية. وهذه كلها يعمل على مناقشتها هوكشتاين. بينما السؤال الأساسي الذي يطرح إذا كان حزب الله أو إسرائيل جاهزين لذلك. أما الأهم، فيبقى متعلقاً بالسبب الذي سيفتح هذا المسار. وهناك سببان، الأول، الارتكاز إلى استمرار المفاوضات التي يقوم بها الأميركيون والفرنسيون وغيرهم، والثاني هو أن حصول تسخين أكثر للجبهة يفرض فيما بعد الذهاب إلى طاولة المفاوضات.