كان الملوك في السابق يحكمون بتفويض إلهي، يمارسون سلطتهم المطلقة بمعونة الكهنوت. وقبلهم، نجح بعض الكهنة والطواغيت في إقناع الناس بأنهم أنبياء أو رسل، بهدف تعزيز سلطتهم والاستحواذ على المال العام، والتمتع برفاهية غير محدودة على حساب أتباع مخدوعين بأساطير وخرافات.
مع بزوغ الديمقراطيات الأولى ومشاركة الناس – وإن بشكل محدود – في الحكم، بدأ الحكام ينزلون من “الشجرة”، ليتبنّوا شعارات الوطنية والقومية، ويدّعوا بطولات وعنتريات من نوع قومي ووطني، تُمكّنهم من الاستمرار في السيطرة على السلطة والثروة.
مع تطوّر الفكر الديمقراطي في بعض الدول، بدأت المسافة تتقلّص بين الحاكم والشعب، حتى غدت مساهمة المواطن حاسمة في صناعة القرار. في هذه المرحلة، يعيش الفرد في رفاهية معقولة، بينما تخضع الحكومات لضغوط العمل والمحاسبة، إلى درجة أن كثيرًا من الوزراء يرغبون في مغادرة مناصبهم المرموقة، ضغط عمل ومحاسبة بدون بطولات وعنتريات.
مع تقدّم التعليم والديمقراطية، وارتقاء الوعي العام، قد يصل المجتمع إلى مرحلة لا يعود فيها بحاجة إلى زعماء أو حتى وزراء، فتختفي تلك الشخصيات الكاريزمية الزائفة، وتنهار شخصية الحاكم الكرتونية. وهذا ما نجده اليوم في سويسرا التي تعتمد نظامًا ديمقراطيًا مباشرًا دون ممثلين.
أما في سوريا، فالأمر يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا. فمنذ إعلان الجمهورية عام 1932، كان النظام برلمانيًا ديمقراطيًا، ثم تحوّل إلى نظام عسكري دكتاتوري في عهد عبد الناصر، ثم إلى حكم فردي مطلق مع حافظ الأسد، حتى وصلنا إلى ولاية كافور الشام التابع لسلطان الباب العالي رجب. وإذا استمرت الأمور بهذا المنحى التراجعي، سيكون الحاكم التالي الأموي معاوية بن أبي سفيان، ثم عثمان بن عفّان، حتى نصل إلى راعي عنز يحكمنا تحت شعارات النبوة ويدخلنا الجنة والنار حسب طاعتنا له.