أحاديث الناخبين في طوابير الانتخابات تنذر بـ 6 سنوات صعبة حرب غزة ومصير سيناء أخطرها والإصلاح الاقتصادي والسياسي في مرمى الرئيس مجدداً
“الرئيس مثقل بحرب على الحدود، وتهديد للأمن غير مسبوق”، “على الرئيس أن يعيد النظر في مجموعته الاقتصادية، وإلا فالعواقب وخيمة”، “الرئيس أرسى قواعد ممتازة في علاقات مصر الخارجية، وعليه أن يستمر في نهج عصا الدبلوماسية الممسك بها من وسطها”، “ستكون فترة بالغة الصعوبة عليه (الرئيس)، وعلينا لو لم تطرأ تعديلات جذرية في المسار الاقتصادي”، “نأمل في أن يتيح الرئيس هامشاً أوسع من الحريات والصوت المختلف في الإعلام”، “الولاية الرئاسية الثالثة للرئيس ستكون التحدي الأكبر له ولنا”.
“الولاية الثالثة للرئيس السيسي ستكون هي التحدي الأكبر الذي يواجهه، لاالانتخابات المصرية”، عنوان يلخص ماهية الاستحقاق الرئاسي المصري. الولاية شبه مضمونة، والرئيس شبه مؤكد، والتحدي معروف مسبقاً، والانتخابات نفسها تتوارى وتتضاءل أهميتها وجدلياتها ومخاوفها وشدها وجذبها أمام ما ينتظر الرئيس في ولايته الثالثة.
الولاية الثالثة تدق الأبواب
بينما الولاية الثالثة تدق أبواب المصريين والرئيس على حد سواء، تحظى أجواء الانتخابات بألوان ونكهات وتفاصيل ومشاعر لم تطرأ على بال أو ترد على خاطر. فلا جماعة الاخوان المسلمين ” وجهود أعضائها المزمنة تهيمن على الأثير دقاً على أوتار الظلم والقهر والاضطهاد والقسر، أو المشتاقين للحريات والتواقين لهوامش التعبير والتغيير والتعديل، أو حتى القاعدة العريضة من المواطنين العاديين الذين يعانون مرارة سلسلة من الإصلاحات والتعثرات والمطبات الاقتصادية على مدار عقد كامل يغوصون في الأجواء الصاخبة المرتبطة بالانتخابات من فريق يدعم، وآخر يعادي، وثالث لا يكترث. الأجواء هذه المرة غارقة في توقع ما سيحدث في الولاية الثالثة.
الولاية الثالثة للرئيس عبدالفتاح السيسي تشغل بال كل المصريين، وإلى حد ما غير المصريين. المرشحون المنافسون الثلاثة وأعضاء حملاتهم الانتخابية ومن سينتخبونهم، سواء عن قناعة ببرامجهم أو إقصاء للمرشحين الآخرين أيضاً لا يشغلهم سوى ما سيحدث في هذه السنوات الست الصعبة المقبلة.
الناخبون “الأورغانيك”
السنوات المقبلة ستستهل بأسابيع أو أشهر (وربما سنوات) من الإغراق في مجريات حرب القطاع الدائرة رحاها على حدود مصر مع غزة. الناخبون، سواء شاركوا في الانتخابات أم امتنعوا أم تقاعسوا، لا حديث لهم إلا ما ستؤول إليه الأوضاع في غزة في ضوء الدور المصري، وما سيحدث في مصر، بسبب ما يجري في غزة، وكيف ستتصرف الإدارة المصرية أمام تحركات الإبادة المنظمة، وجهود التهجير القسري، واستمرار الضغط الدولي المباشر تارة، والمموه تارتين للدفع بأهل غزة صوب سيناء.
العدد المحدود من الناخبين الـ”أورغانيك” (الذين قدموا دون دوافع مادية أو حوافز شفهية) الذين اصطفوا في لجنة انتخابية في حي مصر الجديدة لم يتناقشوا في ماهية الاختيار أو وضعية الانتخابات أو توقعات النتائج.
حديث النتائج أو المرشحين لم يكن سمة الحديث المتبادل بين الركاب في الباص الصغير، الذي خصصته إدارة أحد النوادي الرياضية الشهيرة في مصر الجديدة، لنقل أعضائه ممن يرغبون في الإدلاء بصوتهم للجانهم الانتخابية.
تعامل الرئيس في ولايته الثالثة مع معضلة حرب القطاع سيدة الموقف والحديث، الشد والجذب بين الأعضاء، ومعظمهم من المتقاعدين والمتقاعدات، دار في أضيق الحدود. فبين فتح المعبر (رفح) فقط أمام المصابين والمرضى الذين يحتاجون إلى علاج عاجل، وفتحه موقتاً أمام المعرضين للقصف والقتل والتنكيل مع تقييد الإقامة في أماكن محددة، لمنع تنفيذ وتفعيل خطة التهجير في سيناء من أبواب الإنسانية الخلفية، وإغلاقه من دون استثناءات، لأسباب تراوحت بين الحفاظ على القضية حية ترزق والحفاظ على أمن مصر صلباً لا ينزف، ولو كان النزف بفعل الأخوة والجيران دار حديث الطريق إلى اللجان.
تطابق الانطلاق
لكن، أحاديث اللجان الانتخابية ليست كلها صورة طبق الأصل من بعضها بعضاً، باستثناء نقطة الانطلاق وعقيدة الإيمان بأن الولاية الرئاسية المقبلة هي الثالثة. فالناخبون لا يتوقفون عن سرد وعرض وشرح توقعاتهم ومخاوفهم وآمالهم للسنوات الست المقبلة. هؤلاء ليسوا حكراً على اللجان، إذ المشاركة الفعلية، بل هم كذلك من عادوا أدرجهم إلى قواعد “حزب الكنبة”، حيث لا مشاركة إلا للشديد القوي، وكان آخره في انتخابات عام 2014 الرئاسية، التي شبهها البعض بالجهود الشعبية لدرء خطر “الإخوان”.
خطر “الإخوان” لم يختف من أجواء الانتخابات الحالية، أصوات خافتة هامسة تدور بين الرؤوس المتلاصقة على مقربة من اللجان أو حتى في المقاهي وأماكن التجمعات حول ما يلوح في الأفق من ولادة جديدة للجماعة، هذه المرة من بوابة المعبر. الحديث خافت، لأن المحتوى غامض وحساس. يكمن الغموض في ضبابية الاحتمالات. هل تسمح الإدارة المصرية في ظل الولاية الثالثة بتمرير أهل غزة، أو نسبة منهم صوب سيناء وربما المدن المصرية؟
وسر الحساسية هو الحرج من طرح خطر الجماعة للنقاش العلني، بينما إحدى أذرعتها جاري تبجيله وتجليله وتعظيمه لأنه “رمز المقاومة” و”أيقونة الممانعة” في حرب القطاع مرشح للخروج إلى العلن بعد إعلان نتائج الانتخابات بقليل أو بكثير من قبل جموع المصريين.
القطاع يهيمن
جموع المصريين تعرف أن حرب القطاع ستهيمن أو تفرض نفسها على بداية، وربما منتصف ونهاية الولاية الثالثة. مكون الجماعة يبدو غائباً، لكنه في الوقت نفسه حاضر بازغ. هوى وهوس قطاع من المصريين بالخلط بين الدين والسياسة يبدو سعيداً باحتمالات غير مؤكدة لاحتضان مصر لـ”أهلنا في غزة”، بما في ذلك المكون الحمساوي فعلاً أو تأييداً، لكن كراهية ورفض قطاع آخر لهذا الخلط يقف على طرف نقيض، وكلا القطاعين ينتظر من الرئيس في الولاية المقبلة أن ينتصر لهواه ويرجح كفة ما يريد لحل أزمة القطاع، فيما يختص بمصر.
مصر، متمثلة في إدارتها السياسية، منذ اندلاع الحرب على حدودها تعارض فكرة فتح المعبر لغير الأغراض الإنسانية، وفي أقوال أخرى فتح المعبر من أجل التهجير. بعد مرور أسبوع على عملية حماس التي كانت القشة التي أدت إلى نشوب حرب القطاع، استبقت مراكز الفكر وبرامج التحليل السياسي في الغرب المشهد الآني بطرح سيناريوهات وعرض توقعات ما سيجري في مصر في ضوء الحرب والفترة الرئاسية الجديدة المتوقعة للرئيس عبدالفتاح السيسي.
غالب التحليلات تعرف أن مصر في معارضتها المبكرة لفتح المعبر أمام طوفان التهجير، الذي يصر البعض على أنه تمرير إنساني، هو حماية لسيادة مصر في شبه جزيرة سيناء، وانعكاس أيضاً للمخاوف الأمنية في المقام الأول والاقتصادية لما ستنجم عنه الإقامة الطويلة، أو المفتوحة، للفلسطينيين النازحين على أراضيها.
ظلت التحليلات المتطرقة لاحتمالات اشتمال التمرير على عناصر حركة “حماس” خافتة لدرجة الهمس وحريصة لدرجة السرية. تصدير عدم الاستقرار لسيناء، واتساع رقعة الصراع الحمساوي الإسرائيلي ليشمل سيناء، وعودة جماعات أو أفكار ذات طابع متطرف دينياً تفجرت في اليوم التالي لـ”طوفان الأقصى”، لكنه ظل تفجيراً مكتوماً. المصريون انشغلوا بمصيبة “الإخوة” في غزة، وصناع القرار ومراكز الفكر والمساعدة على صناعة القرار في الغرب اختارت ترشيد المجاهرة بما ينتظر سيناء حال جرى التهجير.
التهجير في خضم العملية الانتخابية أشبه ببند رئيس في برنامج السيد الرئيس. في أيام ما قبل الصمت الانتخابي، لم يخل برنامج تلفزيوني حواري أو مقال تحليلي مصري من الإشارة إلى ما قاله “الرئيس” حول التهجير. وبمضي الساعات والأيام، أصبح موقف الرئيس السيسي من المخطط نقطة قوة ترجح كفته المرجحة أصلاً.
كفة الرئيس المصري في الفترة المقبلة تثقلها ملفات عديدة، أكبرها وأثقلها وأخطرها هو حرب القطاع، ومآل الأوضاع في سيناء، لكن الكفة تتسع إلى قائمة أولويات أعيت الغالبية المطلقة من المصريين على مدار سنوات، وتفاقمت في الأشهر والأسابيع القليلة التي سبقت حرب القطاع. وعلى رغم استمرار التفاقم وتصاعد الأزمات على مدار أسابيع الحرب، فإن الانشغال الشعبي بغزة خفف من حدة الألم وخفض من صخب الشكوى.
شكوى الاقتصاد
شكوى الغالبية من الأوضاع الاقتصادية لم يختف تماماً من أحاديث اللجان الانتخابية، لكن في محيط اللجان، يغلب الحذر ويهيمن الحرص. وعلى رغم الحضور الذي بدا كبيراً، والمظاهر الاحتفالية التي بدا أيضاً أنها منظمة ومنسقة، والأعلام المصرية الآخذة في الرفرفة أمام كل لجنة انتخابية في شتى المدن المصرية، فإن همهمات البصل وتمتمات السكر وأشواق اللحوم ومخاوف الدجاج وتهكمات البيض لا تفسد لأحاديث اللجان ومخاوف حرب القطاع وانقلاب جدول الأولويات قضية.
القضية التي ركز عليها وكيل لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس النواب في هذا التوقيت الحساس كانت من نصيب الانتخابات والمشاركة والإرهاب وقوى الظلام، منزهة عن إشارات الاقتصاد، أو تلميحات المتوقع بعد إعلان النتائج، وهو ما أثار تعجب البعض من المصريين ممن ما زالوا يتابعون منصات الإعلام التقليدي.
وكيل اللجنة محمد عبدالحميد أصدر بياناً عشية انطلاق الانتخابات أشار فيه إلى ثقته التامة في أن “المصريين بجميع انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية والشعبية والحزبية سيشاركون في الانتخابات الرئاسية، ليبهروا العالم، لأن المصريين لم يترددوا لحظة في تحمل المسؤولية الكاملة لتأييد ودعم مصر وإنقاذها من براثن الإرهاب والإرهابيين ومحاولات قوى الشر والظلام والإرهاب لتحويل سيناء لإمارة داعشية وإرهابية”، وملوحاً إلى “اختلاف هذه الانتخابات عن غيرها”، حيث الظروف الإقليمية والدولية الصعبة التي يشهدها العالم بصفة عامة، ومنطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، بعد الاعتداءات الإسرائيلية والمجازر البشرية ضد الفلسطينيين”، وموجهاً التحية إلى مصر ومؤسساتها على “النجاح الكبير الذي حققته لإفشال المخطط الصهيوني الخاص بالتهجير القسري للفلسطينيين”.
الإشارة إلى التهجير القسري للفلسطينيين، الذي لا يزال رغم بيان وكيل اللجنة الاقتصادية يحوم في الأفق المصري، ومن ثم في أفق الانتخابات الرئاسية، أدهشت قطاعاً من الناخبين ممن توقعوا أن تكون هناك إشارات أيضاً عن الاقتصاد وآلامه ورؤاه وتوقعاته في الفترة الرئاسية الجديدة، لا سيما أن حرب القطاع وضعته على خاصية الانتظار، لا الإلغاء.
بنود الإنفاق
ألغى ملايين المصريين بنوداً عدة في قوائم إنفاقهم، ورشدوا أخرى، وتحايلوا على البعض الآخر، وتجاهلوا عديداً من حاجاتهم وأمنياتهم تحت وطأة أزمة اقتصادية متعددة الأوجه متشعبة الجذور.
اقتصاد مصر المتأرجح بين آمال عريضة وفرص ذهبية تارة، وصدمات عنيفة وفرص ضائع تارة ربما لا يكون موضوع الساعة في طوابير الناخبين، لكنه سيكون حديث كل ساعة ومثار اهتمام من وقفوا في الطوابير ومن آثروا عدم الوقوف.
تلخيص “البنك الدولي” لحالة الاقتصاد في مصر تلقي ضوءاً على الوضع الصعب. يشير البنك إلى أن “التحديات طويلة الأمد التي تواجهها مصر منذ عقود تلاقت وصدمات عالمية متعددة متسببة في أزمة في النقد الأجنبي، وارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تاريخياً، وضغوط أدت إلى تفاقم حسابات المالية العامة والحسابات الخارجية التي كانت تعاني مشكلات بالفعل”.
وتشير تفسيرات “البنك الدولي” إلى أنه “على رغم أن الاختلالات المتزايدة التي يعانيها الاقتصاد الكلي في مصر ناجمة عن الأزمة العالمية المتعددة الجوانب، فإنها تعكس التحديات المحلية القائمة من قبل، بما في ذلك تباطؤ الصادرات غير النفطية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتقييد نشاط القطاع الخاص وفرص العمل، فضلاً عن ارتفاع معدل الدين الحكومي وتزايده، كما أن تعبئة الإيرادات يعتبر أقل من الإمكانات المحتملة، مما يؤدي إلى زيادة تقييد حيز المالية العامة المطلوب لتعزيز رأس المال البشري والمادي للسكان في مصر، الذين يتجاوز تعدادهم 105 ملايين نسمة، ويقع نحو 30 في المئة منهم تقريباً تحت خط الفقر الوطني”، وذلك بحسب إحصاءات عام 2019.
خط الفقر والرئيس القادم
خط الفقر الوطني في العام الحالي، وبحسب أستاذة الإحصاء ومستشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هبة الليثي، إلى نحو 35.7 في المئة. الليثي عرضت أرقاماً اقتصادية شديدة القتامة في فعالية نظمتها الجامعة الأميركية في القاهرة قبل أسابيع. نسبة المصريين المصنفين فقراء ارتفعت من 31.1 في المئة عام 2021 إلى 33.7 في المئة عام 2022، وحالياً 35.7 في المئة، والمستقبل الفقر غير واضح، لكن الواضح على هامش الانتخابات ارتفاع أسعار المواد الغذائية 30 في المئة من عام 2021 إلى 2023، وانخفاض الدخول بنحو 19.8 في المئة وزيادة نسبة المتعطلين بسبب تداعيات حروب روسيا في أوكرانيا لتصل إلى 8.4 في المئة (نسبة البطالة المعلنة رسمياً 7.1 في المئة)، وبحسب بيانات البنك المركزي المصري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سجل المعدل السنوي للتضخم الأساس 38.1 في المئة، وقائمة النسب كثيرة، لكن الأكثر منها دلالة هو أحاديث الطوابير، سواء للإدلاء بالصوت أو للحصول على الخبز المدعم أو السكر المخفض، ويمكن تسميتها أحاديث الناخبين، المشاركين منهم والممتنعين. يعكس المحتوى ما يقلق المصريين وما يشكل قوائم توقعاتهم، وما سيحدد مدى ارتياحهم أو سخطهم، أو حتى سكوتهم كعلامة من علامات الرضا أو سمة من سمات اليأس في ضوء ما سيفعله الرئيس القادم.
يدرك الرئيس القادم أن 90 في المئة من الأسر المصرية خفضت استهلاكها من اللحوم الحمراء والأسماك والدواجن في العام الأخير من الولاية الثانية. ويدرك كذلك أن المصريين الأكثر عرضة للصدمات الاقتصادية هم الفقراء، وأن تهميش الطبقات الفقيرة يدفعها بعيداً من لعب دور مؤثر في عملية التنمية، ويعظم شعور أفرادها بالحرمان والعوز، وهو ما يدفع البعض إلى الخروج من هذه الدائرة إما بكثرة الإنجاب، على اعتبار أن المواليد الجدد رؤوس أموال، أو بالبحث عن مخارج ومهارب قد تتمثل في جماعة تخلط الدين بالسياسة أو حزب يخلط السياسة بالكراتين.
يدرك الرئيس القادم ما هو قادم، كما يدرك المصريون ما هم مقبلون عليه من حيث التحديات والمعضلات، المزمن منها والحديث، القابل للشد والجذب والعصي على الحلحلة أو الزحزحة. ما تحلحل على أرض الواقع هو انشغال الغرب ومؤسساته الإعلامية، التي كانت تتفرغ في مثل هذه المواسم الانتخابية لعمليات الهبد الحقوقي والرزع لصالح هوامش المعارضة الغائبة، أو التي أجبرت على الغياب بحرب القطاع، وهو ما انعكس هدوءاً في نبرة التغطية، وسكوناً في حدة انتقاد النظام المصري، مع التذكرة بأن حكم الجماعة ووصول أحد كوادرها إلى كرسي الرئاسة كان الديمقراطية الوحيدة في تاريخ مصر الحديث.
فرصة للتغيير
على سبيل المثال لا الحصر، أشار تقرير منشور بالإنجليزية على موقع “دويتشه فيله” الألماني تحت عنوان “هل تكون الانتخابات الرئاسية في مصر فرصة للتغيير؟” (10 ديسمبر 2023) إلى أنه منذ بداية الحرب بين إسرائيل و”حماس”، المصنفة كمجموعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وألمانيا ودول أخرى، تحول الاهتمام العالمي من سجل مصر الذي وصفه بـ”السيئ” في مجال حقوق الإنسان، وما وصفه بـ”قمع” والوضع الاقتصادي السيئ إلى مصر كشريك سياسي موثوق فيه في المنطقة، ووسيط ونقطة وصول رئيسة للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
وخلص التقرير إلى أن حرب القطاع، ودور مصر “المكتشف” فجأة للقوى الدولية لن يعزز فقط سمعة الرئيس السيسي الدولية قبل وأثناء وبعد الانتخابات، بل سيؤثر إيجاباً في وضع البلاد المالي!
ويرى التقرير أن الأخطار التي تحيط بمصر لا تقتصر على غزة وحدها، بل الدول المجاورة من السودان إلى ليبيا إلى اليمن، وجميعها في حالة حرب، ناهيك بالبحر الأحمر الذي يوشك على التحول إلى ساحة معارك لما وصفها بـ”الميليشيات التابعة لإيران ضد إسرائيل”، وأن تحول مصر، الدولة الأكثر سكاناً بين الدول العربية وشمال أفريقيا، إلى دولة غير مستقرة أيضاً هو “سيناريو مرعب لصناع القرار الأوروبيين”.
المسافة شاسعة
تبدو المسافة شاسعة والعلاقة منتفية بين صناع القرار الأوروبيين والدوليين بصورة عامة من جهة، وبين طوابير الناخبين وعموم المصريين من جهة أخرى، لكن الحقيقة أنها ليست كذلك. فما يجري تقريره هناك يؤثر هنا، وما يجري تعديله وتغييره في شأن الموقف من مصر والرئيس القادم هناك له انعكاسات هنا.
هنا تجري انتخابات رئاسية يقول البعض إنها لا تثير حماسة نسبة غير قليلة من الـ67 مليون مصري ممن لهم حق الانتخاب. وهناك عين ونصف على غزة وإسرائيل ومصير حرب القطاع والمنطقة ونفطها وغازها وحركة الهجرة غير الشرعية القادمة والعابرة منها، ونصف عين على مصر وانتخاباتها الرئاسية. وما اهتمام العالم بملف الاقتصاد في مصر وسعر كيلوغرام البصل واختفاء السكر وشح الرز وجنون اللحوم وترقب نتيجة الانتخابات دون انتقادات حادة للمرشح الأوفر حظاً، إلا بسبب حرب القطاع. إنه ترقب الضرورة هناك.
ترقب الضرورة هنا في مصر لا يخرج عن دائرة حرب القطاع والاقتصاد، وربما بعد أيام الاقتصاد وحرب القطاع. الاقتصادي والسياسي زياد بهاء الدين يرى أن الكل في حالة ترقب. يقول إن الأوضاع الإقليمية والدولية، لا سيما في غزة، تثير أجواء ترقب، لكن للمصريين أسباباً إضافية في الترقب. تحت عنوان “حالة من الترقب” (30 نوفمبر 2023) كتب في مقال رأي أنه لا يقصد ترقب نتيجة الانتخابات الرئاسية، بل ما سيأتي بعدها، وتحديداً في المجال الاقتصادي.
طرح بهاء الدين تساؤلات محورية يسألها كل مصري، “ما الجديد في سعر الصرف وسوق العملة؟ هل تهدأ موجة الغلاء؟ هل من تغيير في الحكومة والوزارات الاقتصادية؟ والأهم، هل من تغيير حقيقي ومؤثر في المسار الاقتصادي والسياسات الاقتصادية؟”.
بهاء الدين كتب بصراحة تندر هذه الآونة عن ترقب المصريين لما سيترتب على عودة مصر إلى صدارة الساحتين الإقليمية والعالمية في ظل ما يجري في غزة، وذلك من حيث النتائج الاقتصادية، موضحاً أنه لا يقصد “ما توقعه البعض باندفاع شديد واستخفاف بالقضية الوطنية من تدفقات مالية لمصر مقابل استقبالها نزوحاً فلسطينياً، فهذه قضية كانت محسومة منذ اللحظة الأولى من جانب القيادة المصرية وفي وجدان المصريين، ولا تزال كذلك”.
وبصراحة أيضاً، تساءل بهاء الدين عن مآل “الإقبال الأخير من المؤسسات المالية الدولية والدول العربية على التعامل مع الملف الاقتصادي المصري بقدر أكبر من التعاون والتفاهم والحرص على تقديم العون من أجل تجاوز الأزمة الراهنة، إن كان موقتاً، أم أن هناك فرصة لإعادة هيكلة الدين المصري العام أو ترقب لاستثمارات جديدة مطلوبة؟”.
ويعاود زياد بهاء الدين حديث القلق والترقب، وهو شعور لا بد منه في ظل الأوضاع الراهنة، مشيراً إلى أنه “قد لا يكون أمامنا سوى الانتظار وتمني الأفضل”، لكن متسائلاً أيضاً، “هل لدى الدولة ما تخاطب أو تطمئن به هذه المشاعر القلقة؟”.
الإصلاح الاقتصادي وربما السياسي القادم، وأسلوب التعامل القادم مع حرب القطاع جميعها في مرمى الرئيس القادم. طوابير الانتخابات تحكي الكثير، بعيداً من حديث المسرحيات أو سد الخانات أو التساؤل عن مقادير الشفافية واحتمالات التزوير. طوابير الانتخابات وكنبات المصريين تقول كثيراً عن مخاوف وأحلام وآلام الولاية الثالثة للرئيس دون الخوض في النتيجة أو الطريقة.