من الشجاعة اليوم أن تقول الحقيقة البسيطة: لا نريد انتصار إيران ولا فوز إسرائيل. فهاتان الدولتان وجهان لمشروعٍ واحدٍ بوجهين: ديني، توسّعي، عنصريّ، معادٍ للعرب والعروبة.
في زمنٍ حيث صار الموقف نصف تهمة، والكلمة سلاحاً على قائلها، تبرز ضرورة قول ما لا يُقال: إنّ أغلبيّة العرب، وأغلبيّة اللبنانيين، لا يريدون انتصار إيران ولا تقدُّم إسرائيل. لا يحبّونهما، ولا يطمئنّون إليهما، ولا يرغبون أن تحكمهما أيّ قيادة آتية من عصور الأساطير السحيقة. أو أن تكون لأيٍّ منهما اليد الطولى في المنطقة، في تحديد مصيرنا، وثقافتنا، وحدودنا.
إيران، التي تتقدّم بثوب “الثورة” و”الممانعة”، لا تخفي مشروعها الطائفي: تريد شيعة العرب جنوداً في معاركها، وأراضيهم منصّات لصواريخها، ودولهم حقول تجارب لمرشدها. والهدف هو احتلال عواصم العرب، وإخضاعها لمشروع غيبيّ يقضي على كلّ اعتراض.
وإسرائيل، التي تتقدّم بثوب “الديمقراطية الوحيدة في الشرق”، لا تخفي مشروعها الديني العنصري، بل تشرّعه في قوانين، وتبني عليه جيوشاً وأسواراً. وهدفها احتلال لبنان وسوريا وقضم الأردن وربّما مصر والعراق لاحقاً.
دولتان تتناوبان على أذيّة العرب. وتتغذّيان من ضعف عربي. تستثمران في تناقضاته. وتحكمان عليه بالبقاء أبديّاً في حالة التبعيّة.
من الشجاعة اليوم أن تقول الحقيقة البسيطة: لا نريد انتصار إيران ولا فوز إسرائيل. فهاتان الدولتان وجهان لمشروعٍ واحدٍ بوجهين
التّأسيس والعقائد: صهيون… وكربلاء
تقوم إسرائيل على “حقّ تاريخي” مختلَق في أرض الميعاد. وتقوم إيران على “ثأر تاريخيّ” مختلَق من معركة كربلاء.
تؤمن الأولى بأنّها “شعب الله المختار”، وتؤمن الثانية بأنّها “أمّة الإمام المنتظَر”. وكلتاهما تعتبر أتباعها “أشرف الناس”، بأشكال مختلفة.
تسعى الأولى إلى إقامة دولة لليهود فقط، والثانية تسعى إلى تصدير “الثورة الإسلامية” كولايةٍ عامّةٍ على المستضعَفين، وفق فهمها للفقه الشيعي.
كلا المشروعين، في جوهرهما، دينيّ مغلق. الأوّل يهوديّ، والثاني أحد فروع الإسلام. لكن حين نخرج من الدين، ونذهب إلى “التصريف” السياسي له، سنجد عنصريّة متشابهة بين المشروع الإيراني، والمشروع الإسرائيلي. يتأسّس المشروعان على عقيدة الصفاء العرقي، أو الطائفي. يحتقر المشروعان كلّ آخر. ويصنّفان الشعوب بين تابعٍ ومارق. وبين طاهرٍ ونجس.
كلا المشروعين يضعان الدين في خدمة الجغرافيا، ويضعان الجغرافيا في خدمة الجيوش، والجيوش في خدمة الاعتداء والتوسّع والأسطورة.
تقوم إسرائيل على “حقّ تاريخي” مختلَق في أرض الميعاد. وتقوم إيران على “ثأر تاريخيّ” مختلَق من معركة كربلاء
لا مفاضلة في السّوء
من الخطأ القاتل الوقوع في ثنائية المفاضلة بين العدوّين. هناك من يريد أن يغفر لإيران جرائمها، لأنّها وقفت “ضدّ إسرائيل”. والبعض الآخر يغضّ الطرف عن إسرائيل، لأنّها “عدوّة إيران”.
هذه المعادلة الزائفة قتلت العرب مرّتين: مرّة في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ومرّة في القدس وغزّة والضفّة الغربية.
دمّرت إيران الدول العربية المحيطة بإسرائيل، بالميليشيات والحروب الأهلية، بحجّة تحرير فلسطين. فضاعت شعوب هذه الدول وضاعت فلسطين، وها هي إيران على وشك أن تسقط معها.
أمّا إسرائيل فتحكمها قيادة عدوانية عنصريّة مجرمة، وتأسّست على أركان توسّعية لاغية لكلّ آخر.
لذا إيران لا تحرِّر من إسرائيل، بل تدمِّر. وإسرائيل لا تحمي، بل تحتلّ. وكلّ من القوّتين تحرِّكها فكرة الاصطفاء الديني، وكلّ مشروع يحقن الشعوب بالمظلوميّة والقداسة، لا بدّ أن ينتهي إلى دمار.
من حقّ أهل المنطقة أن يكونوا عرباً بلا وصاية. وأن يسعوا من أجل الدولة العربية الوطنية. التي لا تتبع طهران ولا تصالح تل أبيب
أين مصلحة العرب والعروبة؟
مصلحة الشعوب العربية، ومصلحة أيّ مشروع نهضويّ حقيقي في هذه المنطقة، أن تضعف إيران، وأن تضعف إسرائيل. لا لأنّ شعوب المنطقة تحبّ الحروب أو تستمتع بالخراب، بل لأنّ قوّتهما تعني دائماً ضعف العرب.
انتصار أيٍّ منهما، يعني سقوط عاصمة عربية، أو تفكّك مجتمع عربي، أو انقساماً طائفيّاً جديداً، أو نزوحاً جديداً.
كلّما ضعفت إسرائيل، اقترب الفلسطينيّ من أرضه.
وكلّما ضعفت إيران، استعاد اللبناني والعراقي واليمنيّ قراره.
وكلّما تراجعت أسطورة “المقاومة” الطائفية، وكلّما تراجعت أسطورة “الدولة اليهودية”، تنفّست المنطقة أوكسيجين السياسة والعقل.
إقرأ أيضاً: صراع وجود: إيران وإسرائيل في لحظة الحسم
لا اعتراف… ولا خضوع
وجدان العروبة، حتّى في الدول التي صالحت، مثل مصر والأردن، لا يعترف بإسرائيل دولةً طبيعيّة. ولا يعترف بإيران دولةً حامية. ولا يقبل هذا الوجدان، أن يُفرض عليه خيار بين استعمارين: أحدهما يقتل العرب بصواريخ أميركية، والثاني يقتلهم بـ”فتاوى الجهاد”.
من حقّ أهل المنطقة أن يكونوا عرباً بلا وصاية. وأن يسعوا من أجل الدولة العربية الوطنية. التي لا تتبع طهران ولا تصالح تل أبيب. دولٌ لا تديرها عمائم قُم، ولا تحدّد سيادتها عقائد صهيون.