من المحاذير الهامة التي اشتمل عليها البيان التحذير من ضرب المنشآت النووية المشمولة بنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن ووفق ما يمليه القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والمقصود هنا في الأساس هو المنشآت النووية الإيراني
ألقت المواجهة العسكرية الإسرائيلية الإيرانية منذ ساعاتها الأولى في 13 حزيران/ يونيو 2025 بظلال كثيفة على الوطن العربي بأسره، نظراً لتأكد كافة البلدان العربية، خاصة تلك الواقعة في منطقة الشرق الأوسط والخليج، من أنها سينالها جانب، زاد أو قل، مباشر أو غير مباشر، من ويلات هذه الحرب وأخطارها ونتائجها، خاصة كلما طال الزمن بالعمليات العسكرية بين الطرفين المتحاربين أو إذا تدخلت أطراف دولية أو إقليمية غير عربية أخرى أو تنظيمات عربية غير حكومية مسلحة بشكل مباشر في تلك المواجهات العسكرية المحمومة.
ولذا لم يكن من المستغرب أن يصدر بيان مشترك من 20 دولة عربية وإسلامية، وبمبادرة بدأت من مصر، في رابع أيام تلك الحرب، ولم يكتف البيان بإدانة الهجوم الإسرائيلي على إيران، والمطالبة بالوقف الفوري للعمليات العسكرية، بل ذهب أبعد من ذلك ليحدد موقفاً مشتركاً واضحاً وتفصيلياً تجاه ما يجب عمله لإنهاء هذه الحرب في أسرع وقت محدداً المعايير التي يجب أن تتبع في هذا السياق.
ولدينا عدد من الملاحظات على هذا البيان العربي الإسلامي الجماعي الهام، وذلك على النحو التالي:
أولاً، من الصحيح أن هذا البيان لم يخرج عن المنظمتين الإقليميتين اللتين تمثلان المجموعتين العربية والإسلامية، أي جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، كما أنه من الصحيح أن مجموع الدول العربية هو 22 دولة ومجموع الدول الإسلامية هي 57 دولة، من بينها الـ 22 دولة عربية، ولكن الواضح للعيان أن الـ 20 دولة التي اتفقت على إصدار بيان 16 حزيران تمثل الكتلة الصلبة من الدول العربية والإسلامية بالذات، حيث توجد بينها دول مجلس التعاون الخليجي الست، ومصر والجزائر والعراق والأردن وليبيا وموريتانيا، وتعزز هذا الموقف بوجود دول إسلامية ذات ثقل، مثل تركيا، وهي طرف إقليمي قوي ومؤثر في منطقة الشرق الأوسط وأيضاً عضو في حلف الناتو الغربي، وباكستان، وهي دولة جارة لإيران. وقد تنضم دول عربية وإسلامية أخرى للبيان في الأيام القادمة.
وثانياً، فمن المحاذير الهامة التي اشتمل عليها البيان التحذير من ضرب المنشآت النووية المشمولة بنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن ووفق ما يمليه القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والمقصود هنا في الأساس هو المنشآت النووية الإيرانية باعتبار أن إسرائيل ليست طرفاً في معاهدة منع الانتشار النووي لعام 1968 كما أنها لا تخضع منشآتها للتفتيش النووي من قبل الوكالة، وهنا المسألة لا تتعلق فقط بموقف من جانب تلك الدول العربية والإسلامية متسق مع متطلبات الشرعية الدولية، ولكنه يتعدى ذلك إلى موقف عملي بحت وعاجل يرتبط باعتبارات حياتية وحيوية لشعوب عدد كبير من البلدان العربية والإسلامية، خاصة تلك المحيطة بإيران أو القريبة منها، لأن أي استهداف عسكري للمنشآت النووية يحمل في طياته مخاطر جمة تتعلق بفرص وإمكانيات حدوث تسرب نووي، وهو أمر حذر من إمكانية حدوثه بشكل مباشر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة منذ أيام فليلة، ويدرك الجميع مغزاه ومخاطره في ضوء حادثتي تشيرنوبيل في عام 1986 وفوكوشيما في عام 2011، علماً بأن هذه المرة التسرب، إذا حدث لا قدر الله، سيكون أكثر ضرراً وأوسع تأثيراً.
وثالثاً، فإن الأمر اللافت للنظر في بيان الدول العشرين هو الربط الذكي والجاذب للدعم الدولي، وليس فقط الإقليمي، بين ضرورة إنهاء الهجمات الإسرائيلية الراهنة من جهة وإطلاق مسار سلمي تفاوضي لحل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني من جهة ثانية، وتنفيذ إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط من جهة ثالثة، والأخير هو الهدف المعلق تنفيذه منذ مؤتمر 1995 لمراجعة اتفاقية منع الانتشار النووي والذي انعقد في شرم الشيخ ونجحت الدول العربية والإسلامية وبلدان حركة عدم الانحياز آنذاك في تمرير قرار من المؤتمر بإقامة مثل تلك المنطقة.
ورابعاً، فإن ما يميز البيان هو إعادة تأكيده في عدة مواضع منه على أهمية الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بتكرار البيان الدعوة إلى ضرورة اللجوء للطرق السلمية والابتعاد عن الوسائل العسكرية في تسوية الخلافات. وهنا جاء رهان البلدان العربية والإسلامية التي أصدرت هذا البيان بشكل منطقي على ما تلتصق به وتراهن عليه دائما القوى المتوسطة والصغيرة في العالم وهو الدعوة المستمرة للاحتكام إلى القانون الدولي وميثاق وقرارات منظمة الأمم المتحدة، باعتبارهم يمثلون أسس الشرعية الدولية، وما يرتبط بذلك من إصرار على نبذ الحلول غير السلمية أو الاحتكام إلى القوة المسلحة، واللجوء، بدلاً من ذلك، إلى السبل السلمية لتسوية المنازعات.
أما خامس وأخر الملاحظات فتتعلق بما ورد في بيان الدول العربية والإسلامية من بند مستقل يؤكد على ضرورة احترام حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية وعدم تقويض أمن الملاحة الدولية، وهو أمر حيوي، أولاً لدول المنطقة، وفي مقدمتها الدول العربية، وثانياً للقوى الدولية ذات المصالح في المنطقة، خاصة القوى الغربية، وقد يكون هذا البند قد جاء استباقاً لما تردد من أن إيران قد تلجأ إلى إعلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية إذا شعرت بتزايد الضغوط والخناق عليها ودخول أطراف خارجية، وتحديداً غربية، في الحرب بجانب إسرائيل، وذلك في رسالة غير مباشرة من تلك الدول لإيران لحثها على عدم اللجوء إلى ذلك الإجراء الذي يعتبر مخالفاً للقانون الدولي وقد يعرضها لعداء عدد متزايد من الدول في وقت تحتاج فيه إلى حشد الدعم، على الأقل السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، خلف مواقفها.
وسنرى في الأيام القادمة تأثير هذا الموقف لتلك المجموعة الهامة من الدول العربية والإسلامية على الموقف الدولي، وإذا ما كانت المزيد من البلدان العربية والإسلامية، وبلدان الجنوب العالمي بصفة عامة، سوف تنضم للبيان والمواقف التي عبر عنها، مما يعمق من ثقل ما يدعو إليه البيان على أرض الواقع.
*مفكر وكاتب مصري