تتصاعد مؤشرات احتمال توقيع اتفاق سلام غير مسبوق بين سوريا وإسرائيل قبل نهاية العام الجاري 2025، في خطوة قد تُعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية، وفقاً لمصادر سورية وإسرائيلية مطلعة. وتأتي هذه التطورات وسط مفاوضات مباشرة بين الطرفين، واشتراطات إسرائيلية واضحة، أبرزها الاحتفاظ بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967.
وفي تصريح لافت، رحّب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بإمكانية التطبيع مع دمشق، لكنه ربط ذلك بشرط حاسم: “إذا توفرت فرصة لتوقيع اتفاق سلام مع سوريا، شرط أن تبقى الجولان تحت سيادتنا، سيكون ذلك إيجابياً لمستقبل إسرائيل”، وفقاً لقناة “آي24 نيوز”. هذا الموقف الإسرائيلي يأتي متزامناً مع تقارير عن اتصالات مكثفة بين الجانبين، بلغت حد الاجتماعات المباشرة في المناطق الحدودية، كما كشفت مصادر لـ”رويترز” نهاية الشهر الماضي.
من جهتها، نقلت القناة الإسرائيلية عن مصدر سوري رفيع أن الاتفاق المقترح سيتضمن “تطبيعاً كاملاً” للعلاقات، مع تحويل الجولان إلى “حديقة سلام” – وفق التعبير المستخدم – إلى جانب انسحاب إسرائيلي تدريجي من الأراضي السورية التي دخلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ.
وكشفت تسريبات من داخل الكنيست الإسرائيلي عن أن رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي يشرف شخصياً على حوار مباشر مع دمشق، وصفه بـ”اليومي والمتعدد المستويات”، مؤكداً أن المحادثات لم تعد تعتمد على وسطاء.
وأشار هنغبي إلى “مصالح مشتركة” بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالوجود الإيراني، معتبراً أن سوريا ولبنان قد تكونان التاليتين في مسار التطبيع بعد “اتفاقيات أبراهام”.
وفي إشارة إلى الدور الأميركي، أفاد المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك عن “محادثات هادئة” بين دمشق وتل أبيب، تطرقت إلى جميع الملفات العالقة.
يشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حثّ نظيره السوري أحمد الشرع خلال لقائهما في السعودية أيار/ مايو الماضي على الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع.
دمشق بين النفي والمفاوضات السرية
رغم أن وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى نفى سابقاً أي مفاوضات مباشرة، مؤكداً أن الاتصالات مع إسرائيل تقتصر على “اتفاقية فض الاشتباك” لعام 1974، إلا أن تصريحات الرئيس الشرع الأسبوع الماضي كشفت عن مسار آخر. فقد أكد خلال اجتماعه مع وجهاء محافظة القنيطرة أن “مفاوضات غير مباشرة تجري عبر وسطاء دوليين لوقف الاعتداءات الإسرائيلية”، بحسب وكالة “سانا”.
وتبقى قضية الجولان العقبة الأكبر في أي اتفاق محتمل. فبينما تصر إسرائيل على اعتبارها “أرضاً إسرائيلية” – وهو ما اعترف به ترامب في قراره المثير عام 2019 – تؤكد سوريا على حقها التاريخي في الهضبة.
المصدر السوري أشار إلى أن الاتفاق المقترح قد يتضمن صيغة توفيقية بتحويل المنطقة إلى “حديقة سلام”، لكنه لم يوضح الآلية التي ستُدار بها، أو مدى تقبل الرأي العام السوري لهذا التنازل.
ومع استمرار المفاوضات خلف الكواليس، يبدو أن المنطقة مقبلة على مفاجآت كبرى قد تُعيد تعريف التحالفات، خاصة مع تنامي الحديث عن “تحالف إقليمي جديد” يُبعد إيران ويُعيد رسم علاقات العرب بإسرائيل. لكن السؤال الأكبر يبقى: هل يمكن لاتفاق كهذا أن يصمد دون حل جذري لقضية الجولان، التي طالما كانت الجرح النازف في الصراع العربي الإسرائيلي؟
لا ضمانات.. وتطبيع هش
يقول موفق نيربية، سياسي وكاتب سوري، لـ”963+”، إن التطبيع بين دمشق وتل أبيب “محتمل وممكن”، ولكنّه لن يكون تطبيعاً حقيقياً أو مدروساً أو حتّى واضح المعالم. مضيفاً: أن “التطبيع الذي يكون نتيجة لاتّفاق سلام متكامل يحتاج إلى وقت أطول من ذلك، إلّا إذا زاد الضغط على سلطات دمشق وأصبحت عاجزة عن التلكّؤ أكثر”.
ويضيف أن “دمشق تدرك أنّ تلبية ما تعرفه من رغبات لدى الغرب أو لدى أبرز القوى الداعمة إقليمياً تتجلّى بإبداء الإيجابية والتأكيد على النوايا الطيبة وحتى الاستعداد للسير إلى آخر الطريق، وذلك مطلوب للتعافي ثمّ لإعادة البناء… وللرضا السياسي”.
ويشير إلى أن “طبيعة السلطة الغريبة عن المألوف والبعيدة عن النورمات المعروفة تتطلّب جرعة زائدة من الإيجابية والقبول بأيّ احتمال: وهذا ليس بعيداً عن الإسلام السياسي ودرجة براغماتيّته ومرونته ما بين الحدود القصوى”.
ولكن، هنالك وقت أيضاً يجب على السلطة فيه أن تعزّز شرعيّتها حسب مبادئ القانون الدولي أو العرف السائد، وتعزّز استقرارها أيضاً في الحكم وتؤكّد تمكّنها من خطاها ومن قواها، وتنهي بعض المسائل الرئيسة بشكل صحيح قبل التطبيع رسمياً وقانونياً، بحسب نيربية، مضيفاً: “يتيح لها الموقف السعودي المتأنّي مجالاً للاسترخاء قليلاً أيضاً، ورغم ذلك لن يتوقف تطوّر الإيجابية في الموقف وربّما في خطى عملية أكثر إقناعاً لإسرائيل”.
متغيرات قد تعيد كتابة سيناريو
يلفت الكاتب السوري إلى أن نتنياهو بحاجة إلى تأكيد “الانتصار” في حربه التي ستبلغ العامين بعد ثلاثة أشهر، والتي توّجتها حرب الاثنا عشر يوماً مع إيران. منوهاً إلى أن الأخيرة حاليّاً تطعن بانتصاره وتنفيه. إضافة إلى ذلك تحتاج حكومته بسرعة إلى ذلك الانتصار الحاسم من أجل الانتخابات القريبة، ولن يعادل التشكيك الإيراني إلّا شيء استراتيجي كالتطبيع مع دمشق.
ويرى أن التطبيع مع سوريا- عقدة السلام الشامل طويلاً- يمكن لنتنياهو أيضاً أن يؤيّد كلامه بأنه قد غيّر خريطة الشرق الأوسط وأدخله في وضع جديد ومختلف عمّا كان عليه.
ويعتقد نيربية أن “هنالك استعداداً أكثر لدى السلطة السورية الانتقالية لحلّ الموضوع بحيث تكون إسرائيل أكثر إحساساً بأمنها وأمن حدودها. وتحتاج حكومة الشرع إلى شيء يوحي بعودة اتفاقية 1974 للعمل، وإخراج ما للأمر. يساعد في ذلك أن تكون إسرائيل جاهزة للانسحاب من الأماكن التي احتلّتها مؤخّراً، وربّما ليس كلّها. أيضاً تحتاج إلى ما يعوّض ذلك أمنياً، عن طريق الجوّ أو أبراج المراقبة أو العمل المشترك أو أيّ شيء آخر”.
ويشير إلى أن خيارات دمشق في التطبيع من عدمه وكيفية تعاملها مع تل أبيب تعتمد على استعداد لدى السعودية وتركيا وقطر والأمارات لتوحيد نشاطها في الموضوع السوري. موضحاً: أن “هذا ليس سهلاً”، حيث يعتمد أيضاً على “الاستقرار” ودرجة تأهيل السلطة الجديدة للحكم بطرائق مقبولة، تغيّر من ظواهرها التي “تخيف” الآخرين في الداخل والخارج بين فترة وأخرى.
اقرأ أيضاً: “داعش” في سوريا.. تحركات وتحولات في البنية والعمليات
ويرى أنه كلّما تحوّلت السلطة الانتقالية إلى “دولة” أكثر تستطيع إقناع الآخرين- وإسرائيل- بخطى أقل، وكلّما حدث العكس أصبح المطلوب أكبر وأخطر. أمّا إسرائيل، فسوف تحتفل بذلك التطبيع – بالمفرق أو بالجملة- ويملأ رأسها إحساس النجاح والنصر. أما في حال رفض الحكومة السورية إن ظهر بشكل فاقع و”مهين” لنتنياهو وحلفائه، فهو سيستخدم ذلك في حشد الإسرائيليين حوله أكثر ومن جديد لخطوات دراماتيكية يحبها وتحبّه.
سيناريو آخر.. الدروز بديل محتمل
من جهته يقول ثائر محمد الديك، صحفي وباحث في الشأن الاسرائيلي وتاريخ الحضارات الإنسانية، لـ”963+”، إنه “من الممكن أن يتم تطبيع العلاقات مع تل أبيب وخاصة أن دمشق قد سلكت منحى جديد يقوم على الانفتاح على دول العالم، وخاصة أن السعودية تنحو ذات المنحى برعاية أميركية لكلا الطرفين، لا سيما في تصريحات ترامب الأخيرة التي ألمح فيها بأنه من الممكن الاعتماد على النظام في دمشق لتنفيذ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط”.
ويضيف أنه “في حال وثقت تل أبيب بقوة وسيطرة النظام السوري الجديد؛ بالطبع سيكون هناك انسحاب من الجنوب، أما في حال رفض الحكومة السورية التطبيع فسوف نشهد توسعاً وتمدداً لإسرائيل داخل سوريا والعمل على تقوية الدروز ودعمهم عسكرياً ومالياً وخلق كيان جديد يكون منافساً للنظام السوري”.