في زمن التحولات السريعة، لا ينتظر الشرق الأوسط كثيراً. من طهران إلى تل أبيب، مروراً بأنقرة وواشنطن، المشهد يتبدّل، والعناوين الكبرى تتغيّر: حرب تتراجع، ومفاوضات تتقدم، وأفكار تسويات تبدأ بالظهور إلى العلن.
الموفد الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، يعلن من أنقرة ما يشبه “إعلان نوايا” لتسوية شاملة: وقف وشيك لإطلاق النار في غزة، أدوار إقليمية جديدة لتركيا، ودعوة صريحة للبنان وسوريا للانخراط في اتفاقات سلام مع إسرائيل، تحت عنوان “الفرصة بعد الحرب”. وفي واشنطن، الرئيس دونالد ترامب لم يتأخر في التقاط الاشارات، فأبدى استعداداً لرفع العقوبات عن إيران “إذا أبدت حسن النية”، متحدثاً بثقة عن تراجع طهران النووي و”إرهاقها” من الحرب. أما المرشد الايراني الأعلى، علي خامنئي، فقد رد بحدة، رافضاً الرواية الأميركية ومتهماً واشنطن بـ”التهويل وإخفاء الحقيقة”.
أما في لبنان، فالمشهد يبدو معزولاً عن الحراك الاقليمي الكبير، وسط عمل دؤوب على إنجاز ما هو مطلوب في ملف سحب سلاح “حزب الله” وتحقيق المطالب الأميركية، وبحسب المعطيات المتوافرة، ستكون الخطوة الأولى بعد الاتفاق على الرد بمثابة عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار مبدأ سحب سلاح “حزب الله” وتحديد آلية التنفيذ، وبالتالي سيتولى التواصل مع الحزب رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبناءً على هذا القرار، سيضغط المجتمع الدولي عموماً والولايات المتحدة خصوصاً على إسرائيل للبدء بالانسحاب من إحدى التلال الخمس التي لا تزال تحتلها على الحدود اللبنانية.
وفيما التنسيق مكتمل بين الرئاسات الثلاث، لا تزال الغارات الاسرائيلية متواصلة جنوباً. بينما بدأت الدولة تعدّ العدة للاختبار الجديد المرتبط بالانتخابات النيابية المقبلة، وتحاول تثبيت الاستقرار وسط خلافات علنية حول الصوت الاغترابي وعدم حصره بستة مقاعد، اذ سيكون هذا الطرح محور الجلسة التشريعية التي ستعقد خلال الساعات المقبلة وجوهرها. فهل سيتمكن النواب من عدم إقصاء الصوت الاغترابي بعد أقل من عام؟
وفي هذا السياق، أكّد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار اجراء “عملية تقييم شاملة للافادة منها في الانتخابات النيابية وهي في موعدها والتحضيرات جارية”.
وبالعودة الى كلام الموفد الأميركي توماس باراك، فقد إعتبر أن “ما حصل للتو بين اسرائيل وإيران هو فرصة لنا جميعاً للقول: توقفوا، فلنشق طريقاً جديداً”، لافتاً الى أن “تركيا هي عنصر رئيسي في هذا الطريق الجديد”.
ورأى باراك أنه “بات من الضروري بعد الحرب بين إيران وإسرائيل، إبرام اتفاقات سلام بين كل من الدولة العبرية وسوريا ولبنان”، مشيراً الى أن “الرئيس السوري أحمد الشرع أوضح أنه لا يكره إسرائيل ويريد السلام على هذه الحدود. وأعتقد أن هذا سيحدث أيضاً مع لبنان. اتفاق مع إسرائيل أمر ضروري”.
أما اللافت فكان اعلان الرئيس الأميركي عن امكان رفع العقوبات عن إيران إذا أبدت حسن النية، لافتاً الى أن إيران لا تفكر الآن بالعودة إلى المشروع النووي، فهي “مرهقة جداً”. وأكد ترامب أن “إيران لم تملك الوقت لنقل اليورانيوم قبل الضربات الأميركية”.
وسرعان ما رد خامنئي عبر حسابه على منصّة “اكس”، قائلاً: “ترامب بالغ في تهويله كالمعتاد في شرح ما حدث لأنهم لم يتمكنوا من إنجاز شيء وإن هذا يدل على رغبة بإخفاء الحقيقة”.
ميدانياً، شنت مسيّرة إسرائيلية غارة بصاروخ موجه على منزل في بلدة عيتا الشعب، وأخرى على منزل في بلدة رامية في قضاء بنت جبيل، وألحقت أضراراً كبيرة فيهما.