يشجّع هذا الضوء الأخضر المستوطنين يوميّاً على ارتكاب عشرات الاعتداءات على الفلسطينيين تراوح بين فرض وقائع على الأرض (الاستيلاء على أراضٍ وتوسعة استعمارية وتهجير قسري)، وإعدامات ميدانية وتخريب أراضٍ وتجريفها، واقتلاع أشجار والاستيلاء على ممتلكات، وإغلاقات وحواجز تقطع أواصر الجغرافيا الفلسطينية، بعضها يصل إلى القتل وحرق المنازل والمركبات على غرار ما جرى في قرية كفر مالك شرق رام الله، حين قتل مستوطنون 3 شبّان وأحرقوا ممتلكات في البلدة بمساعدة الجيش.
رصدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في تقريرها نصف السنويّ لعام 2025 تنفيذ المستوطنين 2,153 اعتداءً، تسبّبت في استشهاد 4 مواطنين، وخلال الفترة ذاتها درست سلطات الاحتلال ما مجموعه 165 مخطّطاً هيكليّاً لتوسعة مستوطنات أو إقامة مستوطنات جديدة، منها 124 مخطّطاً في مستوطنات الضفّة الغربية، و41 مخطّطاً لمستوطنات القدس، ودرست أيضاً ما مجموعه أكثر من 8,685 وحدة سكنيّة في مستوطنات الضفّة الغربية، و8,865 لمستوطنات القدس.
أقام المستوطنون خلال النصف الأوّل من عام 2025 ثلاثاً وعشرين بؤرة استيطانية على أراضي المواطنين، معظمها بؤر رعوية، في استمرار لسياسة فرض الوقائع، واستولت سلطات الاحتلال على أكثر من 800 دونم من أراضي المواطنين تحت مسمّيات مختلفة، من خلال إصدار 36 أمراً لوضع اليد لأغراض عسكرية، وأمر واحد لاستملاك بحجّة شقّ شوارع وتوسعتها.
يدرك الفلسطينيون أنّ ما يسمّى بعملية السلام وحلّ الدولتين بات مستحيلاً جرّاء ما فرضته إسرائيل من وقائع على الأرض
السّيادة بعد السّيطرة
ما ذُكر أعلاه هو واقع يوميّ راكم تغييرات كبيرة في جغرافيا الضفّة الغربية جعلتها تحت السيطرة الإسرائيلية الفعليّة، بانتظار الخطوة الأخيرة فقط لإعلان إسرائيل ضمّها وفرض السيادة عليها، وهي فرصة تلوح بالأفق. وتوقّع يسرائيل غانتس رئيس المجلس الإقليمي لـ”مستوطنات بنيامين” أن يفرض بنيامين نتنياهو “سيادة إسرائيل” على الضفة الغربية عقب عودته من زيارته للولايات المتّحدة.
قال كاتس في 7 تمّوز: “التقيت رئيس الوزراء قبل أن يتوجّه إلى واشنطن واتّفقنا على عقد اجتماع مع مجلس المستوطنات فور عودته حول موضوع إحلال السيادة”، مضيفاً أنّ “مجلس المستوطنات يعدّ خطّة شاملة مرفقة بخرائط وتشريعات قانونية بالتعاون مع مديرية الاستيطان بوزارة الدفاع من أجل تحويل إحلال السيادة إلى أمر واقع”.
إسرائيل
يدفع قادة المستوطنين وأعضاء في الكنيست لإنجاز تلك الخطوة، من خلال إصدار قرار حكومي وتشريع قانون في الكنيست بضمّ الضفّة، قبل انتهاء الدورة الصيفية للكنيست خلال 3 أسابيع. وللمرّة الأولى وجّه وزراء حزب الليكود الحاكم دعوة لنتنياهو إلى “فرض السيادة والقانون الإسرائيليَّين” على الضفة.
ينقص فقط الإعلان
يقرّ الفلسطينيون أنّ إسرائيل ضمّت الضفّة الغربية بالفعل، وفرضت السيادة والسيطرة عليها، وأنّه لم يبقَ أمامها سوى إعلان ذلك وشرعنته في قانون بالكنيست. يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (هيئة رسمية) مؤيّد شعبان لـ”أساس ميديا” إنّ “الحكومة الإسرائيلية أفلتت عقال المستعمرين لفرض حقائق على الأرض، ومهّدت بكلّ التشريعات والقوانين التي قدّمتها للكنيست لعمليّة الضمّ والسيطرة على الضفّة الغربية”.
رأى مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية خليل التفكجي في حديث لـ”أساس ميديا” أنّ إسرائيل فرضت أمراً واقعاً داخل الضفّة مستغلّة عمليّة السلام
أضاف شعبان أنّ “الواقع على الأرض يقول إنّ مصادرة الأراضي والهدم يجريان يوميّاً، والتهجير القسري طال منذ 7 أكتوبر أكثر من 32 تجمّعاً بدويّاً، والقتل وإطلاق النار والهجوم على القرى في تصاعد، وإقامة بؤر استيطانية، في وقت تسيطر فيه إسرائيل على 90% من الأغوار، وعلى المناطق المصنّفة “ج” في الضفّة التي تشكّل 62% من مساحة الضفّة”.
أكّد شعبان أنّ “إسرائيل سيطرت بالفعل على الأرض، ولم يبقَ لها سوى إعلان ذلك رسميّاً، حتّى إنّ التنقّل بين المدن الرئيسية بات يشكّل معاناة بعدما تحوّلت إلى معازل كانتونات بفعل شبكة من الحواجز والبوّابات العسكرية التي تجاوز عددها 900 حاجز وبوّابة”.
أشار شعبان إلى مخاوف من تشريع الضمّ عبر قانون في الكنيست خلال الأسابيع المقبلة لأنّ الائتلاف الحاكم يضمن تمريره بتأييد 61 نائباً، وهو الأمر الذي يمكن أن يتحقّق.
حلّ الدّولتين صار مستحيلاً
يدرك الفلسطينيون أنّ ما يسمّى بعملية السلام وحلّ الدولتين بات مستحيلاً جرّاء ما فرضته إسرائيل من وقائع على الأرض، ونتيجة غياب أيّ ضغوط دولية على إسرائيل، وتحديداً تنصّل الإدارة الأميركية من ذلك. وهذا ما تجلّى خلال لقاء دونالد ترامب بنتنياهو حينما رفض الإجابة عن سؤال عن حلّ الدولتين، وترك الإجابة لنتنياهو، الذي لم يذكر حلّ الدولتين، بل تحدّث عن ضرورة أن يكون للفلسطينيّين صلاحيّة وقدرة على حكم أنفسهم لكن شرط أن لا يضرّوا بأمن الإسرائيليين حسب وصفه، وأنّ السيادة الأمنية ستبقى إسرائيليّة.
رصدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في تقريرها نصف السنويّ لعام 2025 تنفيذ المستوطنين 2,153 اعتداءً، تسبّبت في استشهاد 4 مواطنين
كان وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين دعا بداية تمّوز إلى ضمّ الضفّة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، بينما دعا وزير الاقتصاد والصناعة نير بركات إلى تفكيك السلطة الفلسطينية، مضيفاً أنّ السلطة الفلسطينية ونموذج اتّفاق أوسلو “لا يستحقّان البقاء”.
رأى مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية خليل التفكجي في حديث لـ”أساس ميديا” أنّ إسرائيل فرضت أمراً واقعاً داخل الضفّة مستغلّة عمليّة السلام خلال العقود الماضية لتحقيق الأهداف الاستراتيجيّة، وهي أن لا تكون هناك دولة فلسطينية. وأضاف: “إسرائيل لا تحتاج اليوم لإنجاز الضمّ إلى سوى أمر واحد، وهو شرعنة وقوننة الضمّ من قبل الكنيست في ظلّ ظروف مواتية جدّاً لذلك”.
إقرأ أيضاً: هدنة لغزّة مقابل قضم الضّفّة!
تابع التفكجي: “بعد النظر للخرائط، نجد أنّ إسرائيل خلقت داخل الضفّة تجمّعات فلسطينية مبعثرة، تفصل بينها 900 حاجز وبوّابة عسكرية، وهذا يجعل من إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي مستحيلاً”.