منير أديب
هل أصبحت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ذراعين عسكريتين لإيران في الداخل الفلسطيني؟ وهل تقوم طهران بتوظيفهما في صراعها الدائر والدائم مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل؟ وهل باتت إيران بالفعل عبئاً على المقاومة الفلسطينية ومن ثم على القضية الفلسطينية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها نُحاول الإجابة عنها بعد تصريحات الحرس الثوري ثم نفيها لاحقًا بأنّ “طوفان الأقصى” كان إحدى العمليات الانتقامية لمقتل زعيم فيلق القدس قاسم سليماني قبل سنوات!
وصف المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف، قبل أيام، وبعد تسعين يوماً، عملية “طوفان الأقصى” بأنها كانت إحدى العمليات الانتقامية التي اتخذها محور المقاومة رداً على مقتل سليماني في مطلع عام 2020، ربما يُؤكد العلاقة التي لا يخفيها الطرفان.
فما هي المعلومات التي يمتلكها المتحدث باسم الحرس الثوري وأفرج عنها في هذا التوقيت؟ بخاصة أنّ حديثه كان علنياً ولم يكن تسريباً لمكالمة هاتفية أو حواراً بينه وبين شخص ثم أذيع على العلن، كما أنّ الرجل يشغل منصب متحدث باسم الحرس الثوري وليس مجرد قيادة عسكرية بعيدة من الإعلام، فهو يعرف ماذا يقول ومتى؟ وهنا يبدو السؤال منطقياً: لماذا ردت حركة “حماس” بسرعه لنفي ما رآت أنه يُخالف ما سبق إعلانه في بيان 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أي بعد انطلاق العملية مباشرة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة المشروعة مهمة لفهم الدور الإيراني في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وما سوف يدفع ضريبته الشعب الفلسطيني إذا استمرت العلاقة بين بعض هذه الحركات وإيران، إذ تقوم الأخيرة بتوظيف هذا الصراع لمصالحها أو تخفيف الضغط عنها بعد محاولات امتلاك القنبلة النووية والذي استمر لسنوات طويلة وما زال.
صحيح أن إيران قدمت لحركات المقاومة كماً كبيراً من الأسلحة والتكنولوجيا، لكنها وظفت المقاومة الفلسطينية، فواجهت أميركا وإسرائيل بصورة غير مباشرة من خلال بعض الفصائل، وحققت مكاسب سياسية وعسكرية على حساب الفلسطينيين وقضيتهم.
إيران صاحبة مشروع في المنطقة العربية عملت وما زالت عليه، وسعت لتصدير ثورتها إليها على مدار أكثر من أربعة عقود؛ هذا المشروع سياسي وعسكري وديني هدفه السيطرة الكاملة على حساب الأمن القومي للدول المجاورة ودول المنطقة.
إيران لا تُنكر مشروعها، بل تتباهى به، وإن كان على حساب الأمن القومي العربي كما ذكرنا، فقد سبق وأعلنت في الماضي أنها أحتلت 4 دول عربية، وباتت صاحبة القرار في هذه العواصم، وبالتالي مشروعها السياسي لا يمكن أن تحققه من دون وجود أذرع أو داعمين لها.
وبالتالي هي تُريد أن تبتلع حركات المقاومة أو على الأقل تُوظفها في خدمة مشروعها. صحيح أن بعض هذه الحركات يستفيد من الدعم العسكري الذي تقدمه إيران، ولكن هذا لا يمنع طهران من استخدام هذه الحركات في مشروعها السياسي والعسكري في المنطقة كما حدث في عدد من الدول العربية؛ فإذا كانت هذه الحركات تعمل وفق أجندة فلسطينية، فإنّ إيران تُحركها المصلحة السياسية التي تتماهى مع مشروعها السياسي.
وهذا ما جعل إيران ترفض دخول المواجهة المباشرة مع إسرائيل على خلفية “طوفان الأقصى”، بل أوعزت بذلك إلى “حزب الله” اللبناني رغم المناوشات التي تدور على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، وهذا يؤكد أنّ المحرك الأساسي في مواقف إيران هو المصلحة وفق المشروع المشار إليه، وأنّ الهدف من الدعم هو توجيه دفة الصراع مع إسرائيل من خلال الأذرع والداعمين بما تحدده طهران وليس بما تُريده “حماس”.
ومن هنا خاب رجاء “حماس” في دعم إيراني أكبر، فقد اعتراف أسامة حمدان، القيادي في الحركة، بأن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صلاح العاروري كان على علم بعملية “طوفان الأقصى” وطلب منه مسؤول الحركة في غزة يحيى السنوار، إبلاغ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بالعملية قبل تنفيذها بـ30 دقيقة حتى يكون للحزب دور أكبر، وهو ما لم يحدث وفق تصور السنوار وهو ما أغضبه، وتأكيداً لذلك سافر رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لمقابلة المرشد الأعلى علي خامنئي، مطالباً بدور أكبر للأذرع الإيرانية في الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
الدور الإيراني في الحرب الأخيرة ليس هو المأمول من وجهة نظر “حماس” التي كانت تتوقع أنّ تدخل إيران الحرب مع إسرائيل فتقلل من حجم الضغط والقصف الإسرائيلي على غزة، دخولاً غير مباشر، بحيث لا يقتصر دورها على الحرب الكلامية فقط، وبالتالي إيران تعمل وفق مصلحتها ومشروعها السياسي والعسكري في المنطقة، هذا لا يحتاج إلى تحليل وقائع للوصول إلى نتائج، ولكنه يحتاج إلى قراءة الدور الإيراني في المنطقة العربية، قراءة هذا الدور وأهدافه حتى نفهم شكل العلاقة بين “حماس” وإيران وكلفتها.
وهنا لا بد من أن تتخفف “حماس” وحركات المقاومة الفلسطينية من العِبْء الإيراني ومن أهداف مشروعها في المنطقة؛ فأي تكلفة سوف يدفعها الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية. لا دولة ذات مشروع توسعي تُعطي مجاناً بلا مقابل حتى ولو كان ذلك للقدس أو للأقصى، ويكفي أنها تُهدد أمن دول الجوار بــ”فيلق القدس” نفسه!
ونفى القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي ما قاله المتحدث باسم الحرس، أثناء تشييع جنازة المستشار الكبير في الحرس رضي موسوي بخصوص عملية “طوفان الأقصى”، من أنها كانت انتقاماً لمقتل قاسم سليماني قبل سنوات، ولكنه نفي التأكيد الذي يُؤشر إلي بصمة إيران باعتبارها الموجّه الأول للصراع الفلسطيني من خلال دعم حركات المقاومة حالياً، نفي أشبه بنفي “حماس” لكون هذه العملية جاءت رداً على الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى، وهنا نفت الحركة الغرض المعلن من العملية ولكنها لم تنف العلاقة ولا توظيف إيران لها.
لا بد من أن تتخفف الفصائل الفلسطينية من أي أجندات خارجية وأن تركز مشروعها على التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية وفق ما قررته منظمة التحرير الفلسطينية التي نشأت بتضحيات الفلسطينيين ودمائهم، فما تقرره المنظمة التي تُعد الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين هو ما ينبغي أن تسير عليه كل الفصائل وبلا استثناء إذا كانت صادقة في نضالها وترغب في استكمال تضحياتها، ولكن على أسس سليمة بإجماع فلسطيني يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية.