تفتتح ولاية أيوا السباق الجمهوريّ لنيل بطاقة الترشيح الحزبيّة إلى الانتخابات العامّة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024. تتميّز الولاية بطريقة اختيار الناخبين لمرشّحيهم كما بمنح بعضهم الزخم الرسميّ للانطلاق في الحملة، أو كما قد يحصل اليوم، بقرع جرس الإنذار للخروج منها.
كيف ستجري عمليّة الاقتراع؟
لأيوا طريقتها الخاصّة في تنظيم التصويت. تعتمد الولاية منذ السبعينات نظام “المؤتمرات الحزبيّة” (caucuses) وتدير الأحزاب لا الحكومة المحلّيّة عمليّة الاختيار. يصل الناخبون إلى مراكزهم (عادة ما تكون مقرّات رسميّة) ويلقي داعمو المرشّحين كلمة أمام الجمهور يسردون فيها أسباب دعمهم لهذه الشخصيّة أو تلك. لا يسمح سوى للناخبين المسجّلين كجمهوريّين بالتصويت، لكن بإمكان أيّ شخص أن يسجّل نفسه على لائحة الحزب ليوم واحد، ثمّ يعود بعدها إلى موقعه كمستقلّ أو حتى كديموقراطيّ.
بعد الاقتراع السرّيّ، يقوم موظّفون تحت إشراف الرئيس والسكريتير المنتخبَين في بداية المؤتمر بفرز الأصوات وإبلاغ مجموع ما حصل عليه كلّ مرشّح إلى الحزب في الولاية. ثمّة أكثر من 1600 مركز للاقتراع. تفتتح المراكز أبوابها عند الساعة السابعة مساء. تستغرق المؤتمرات الحزبيّة وقتاً أطول من الاقتراع المباشر لكنّها تجعل الناخب على اتّصال أقوى مع مسؤولي حزبه فيتمكّن من إيصال مقترحاته ومطالبه إليهم. يخوض الديموقراطيّون أيضاً مؤتمراتهم الخاصّة اليوم لكن في مواضيع تتعلّق بإدارة شؤونهم الحزبيّة. من المتوقّع أن تصدر النتائج شبه النهائيّة عند نحو الرابعة صباحاً بتوقيت غرينيتش.
ما أهمّيّة الولاية انتخابيّاً؟
سيحصل المرشّحون على نسبة من المندوبين تتطابق مع نسبة الأصوات التي نالوها. لولاية أيوا 40 مندوباً من إجمالي مندوبي الولايات لدى الجمهوريّين (2500) بما يمثّل فقط 1.6 في المئة من المجموع العامّ. بالتالي، لا تحمل الولاية أهمّيّة مفصليّة في الانتخابات إذ يستطيع الخاسرون فيها تعويض إخفاقاتهم لاحقاً. في الواقع، وعلى الضفة الجمهوريّة، نادراً ما فاز الرؤساء أو المرشّحون الجمهوريّون النهائيّون بهذه الولاية منذ سنة 2000. على سبيل المثال، خسر الرئيس السابق دونالد ترامب أيوا سنة 2016 أمام السيناتور تيد كروز (24.3 – 27.6). وفاز ريك سانتوروم بأيوا سنة 2012 لكنّه خسر ترشيح حزبه النهائيّ أمام ميت رومني (الخسارة في الولاية كانت بفارق 0.03 في المئة). وفي 2008، فاز مايك هاكابي بالمرتبة الأولى، وحلّ جون ماكين الفائز بترشيح الجمهوريّين تلك السنة في المرتبة الرابعة (34 مقابل 13 في المئة). وفي 2000، فاز جورج بوش الابن بالولاية (41 في المئة) وبالترشيح النهائيّ والرئاسة في نهاية المطاف.
سنة 2008، فاز باراك أوباما بالعدد الأكبر من أصوات الولاية بفارق ضئيل عن منافسيه جون إدواردز وهيلاري كلينتون، علماً أنّ الاستطلاعات لم تكن ترشّح فوزه. وسنة 2020، حلّ الرئيس جو بايدن في المرتبة الرابعة.
لكنّ أيوا تخدم المرشّحين كنقطة انطلاق فعليّة لحملتهم كي يحصلوا على المزيد من الأضواء الإعلاميّة إذا كان أداؤهم أفضل من المتوقّع. ولمن يحتلّ المركزين الثاني أو الثالث اهتمام خاصّ عادة لأنّ حظوظه تكون أفضل في نيو هامبشير بالنظر إلى اختلاف طبيعة الناخبين. على سبيل المثال، يشكّل المحافظون الإنجيليّون نحو 45 في المئة من الناخبين في أيوا (يتركّزون في شمال غرب الولاية تحديداً)، بينما لا يشكّلون إلّا 20 في المئة تقريباً من ناخبي نيو هامبشير.
ماذا تقول آخر الاستطلاعات؟
صدرت السبت نتائج استطلاع بارز لـ”أن بي سي” بالتعاون مع صحيفة “ديموان رجيستر” (ديموان هي عاصمة الولاية). تقدّم الرئيس السابق دونالد ترامب على أقرب منافسيه بنحو 28 في المئة من الأصوات. هذا هو الرقم الأعلى لأيّ مرشّح جمهوريّ لا يشغل منصبه على الإطلاق. أقرب رقم كان ما حقّقه الجمهوريّ بوب دول سنة 1988 مع فوز بفارق 13 في المئة. (تلك السنة فاز جورج بوش الأب بالترشيح والرئاسة).
مع كون فوز ترامب شبه محسوم، تتّجه الأنظار إلى الفائز بالمرتبة الثانية. بعدما ظلّ حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس صاحب الفرصة الفضلى لتحقيق هذه المرتبة بالنظر إلى استثماره الانتخابيّ الطويل في الولاية وبالنظر إلى موافقه المحافظة المتشدّدة، يبدو أنّ سفيرة ترامب السابقة إلى الأمم المتّحدة نيكي هايلي هي المتّجهة لحصد المرتبة الثانية. نالت بحسب الاستطلاع نفسه 20 في المئة من التأييد مقابل 16 في المئة لديسانتيس. وهي تقدّمت 4 في المئة عن الاستطلاع الماضي في كانون الأول (ديسمبر) بينما تراجع ديسانتيس 3 في المئة وترامب 4 في المئة.
(نيكي هايلي في أيوا – أب)
لاحقاً، صدر استطلاع أحدث لـ”إمرسون” يظهر أرقاماً قريبة أيضاً: ترامب 55، هايلي 21، ديسانتيس 15، وراماسوامي 5. عمليّاً، إنّ حلول ديسانتيس في المركز الثالث يعني نهاية حملته. حتى لو حقّق المركز الثاني، يصعب توقّع مسار واضح له للفوز بالترشيح بالنظر إلى أرقامه المتواضعة في جميع الولايات الأخرى ومن بينها فلوريدا نفسها. أمّا لو حلّ في الثانياً بفارق ضئيل عن ترامب فربّما تتغيّر الأمور.
الطقس
يدلي ناخبو أيوا بأصواتهم وسط عاصفة ثلجيّة قاسية. سيحتاج كبار السنّ تحديداً إلى الاندفاعة والتسهيلات لنقلهم إلى مراكز الاقتراع. يملك ترامب تفوّقاً على خصميه لأنّ ماكينته الانتخابيّة هي الكبرى. علاوة على ذلك، يظهر استطلاع “أن بي سي/ديموان” أنّ ناخبي ترامب هم الأكثر حماسة للانتخابات: 88 في المئة من الناخبين متحمّسون جدّاً أو متحمّسون للغاية كي يصوّتوا له. بينما تسجّل أرقام ديسانتيس وهايلي أداء أضعف: 62 و 39 في المئة على التوالي.
والمشكلة الكبرى ستكون في حال تكوّن الجليد، على ما قاله القائد الإنجيليّ في ولاية أيوا بوب فاندر بلاتس الذي أعلن تأييده لديسانتيس. مع ذلك، أكّد أنّ عمليّاته قادرة على نقل الناس إلى مراكز الاقتراع. لكنّ الطقس قد يفيد هايلي أكثر من ديسانتيس لأنّ أداءها أفضل في ضواحي المدن حيث الحكومات قادرة على فتح الطرقات بشكل مستمرّ بحسب لورا بيلين من “سي أن أن”.
من جهة أخرى، طالب ترامب ناخبيه ألّا يقولوا إنّ الأمر محسوم فيلازموا منازلهم بدلاً من التوجّه إلى التصويت. بالتالي، قد يدفع الطقس بعضاً من أنصاره إلى تفضيل الدفء على مواجهة الصقيع طالما أنّه “سيخرج منتصراً في جميع الأحوال”. لكن مجدّداً قد تلعب الحماسة دوراً أكبر في تحفيز ناخبيه على الانتخاب مهما كانت الأحوال الجوّيّة.
قد تتحقّق المفاجأة، بحسب ريتش لوري من “ناشونال ريفيو”، في حال مثلاً، وصلت هايلي إلى حدود 25 في المئة، واكتفى ترامب بعتبة 45 في المئة أو أقلّ. عندها، سيبدو ترامب أقلّ تحصيناً ممّا يبدو عليه اليوم.