في تطور هو الثاني من نوعه خلال سنتين، تعرضت مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان- العراق لهجوم بالصواريخ البالستية من الحرس الثوري الإيراني، الذي قال إنه استهدف “مقار للجواسيس”، الأمر الذي نفته سلطات الإقليم ، موضحة أن المُستهدف هو منزل رجل الأعمال الكردي الشهير بيشرو دزيي، الأمر الذي يُنذر بتصعيد سياسي وأمني في العلاقة الثلاثية بين كردستان والحكومة المركزية العراقية وإيران.
نُفذت الهجمات عبر صواريخ بالستية دقيقة موجهة، اُطلقت من غرب إيران، بالقرب من الحدود مع إقليم- كردستان، بالتزامن مع تحليق طائرات مُسيرة، إذ تعاقبت أصوات خمسة عشر انفجارا قوياً عند الساعة 11:30 ليل الإثنين- الثلثاء، سُمعت في مختلف أرجاء أربيل، إلى أن أعلن مجلس أمن إقليم كردستان أن الموقع المُستهدف هو منزل رجل الأعمال الكردي ومالك شركة فالكون للتطوير العقاري بيشرو دزيي، وقد أدى الهجوم إلى مقتله مع شريكه التجاري كرم ميخائيل، وهو رجل أعمال مسيحي عراقي، إضافة إلى مصرع طفلة رجل الأعمال الكردي، التي لم تكمل عامها الأول، وإصابة 17 شخصاً، من بينهم زوجة دزيي وثلاثة آخرين من أبنائه، وعاملان فلبينيان، والبقية من الجيران.
الحرس الثوري الإيراني أصدر بياناً عقب الهجمات مباشرة، تبنى فيه اطلاق الصواريخ، وقال إنها جاءت “رداً على الهجمات الإرهابية التي استهدفت مواطنينا في كرمان”. واضاف: “تم استهداف مواقع لقيادة وتجمعات التنظيمات الإرهابية في سوريا بعدد من الصواريخ البالستية… نعلن استهداف مقار الجواسيس والتجمعات الإرهابية المناهضة لإيران في أجزاء من المنطقة في منتصف الليل وتم تدمير الأهداف، والتفاصيل ستعلن لاحقاً”.
أظهرت المشاهد دماراً كاملاً للمنزل المستهدف، الواقع بالقرب من مدينة أربيل، حيث بقيت فرق الإطفاء والإنقاذ المدني تعمل حتى الصباح لإطفاء الحرائق التي اندلعت به وفي الدور المجاورة، والبحث عن الضحايا بين الأنقاض. وزار محافظ أربيل أوميد خوشناو موقع القصف مباشرة، مؤكداً “صمود المدينة وإقليم كردستان أمام هذه الاعتداءات”، وداعياً المواطنين للمشاركة في تظاهرة شعبية أمام مقر الأمم المتحدة وسط المدينة صباح الثلثاء”. ونفى خوشناو أن يكون الموقع مقراً لأي عمل عسكري أو استخباراتي، مطالباً وسائل الإعلام بالاطلاع المباشر على الموقع، والتأكد من طبيعته كمنزل عائلي فحسب.
رئيس حكومة إقليم كردستان- العراق نيجيرفان بارزاني المشارك في مؤتمر دافوس الاقتصادي، دعا الحكومة الاتحادية إلى اتخاذ “موقف صارم إزاء الانتهاك الذي طال سيادة العراق وإقليم كردستان”. وقال في بيان رسمي: “مرة أخرى تتعرض أربيل الشامخة إلى استهداف صاروخي من قبل الحرس الثوري الإيراني، وللأسف هذا الهجوم غير المبرر أسفر عن سقوط شهداء وجرحى من المدنيين… أدعو الحكومة الاتحادية إلى اتخاذ موقف صارم إزاء هذا الانتهاك لسيادة العراق خصوصاً إقليم كردستان… وأطالب المجتمع الدولي بعدم التزام الصمت إزاء الظلم الذي يتعرض له شعب كردستان. خلال الأيام المقبلة، سنكون على اتصالٍ دائم مع المجتمع الدولي، لأجل وضع حد لهذه الهجمات الوحشية ضد شعب كردستان البريء”.
وفي قوله “مرة أخرى”، فإن رئيس بارزاني كان يشير إلى الهجوم الصاروخي المشابه الذي نفذه الحرس الثوري الإيراني في شهر آذار (مارس) من العام 2022، واستهدف منزل رجل الأعمال الكردي “باز برزنجي”، مالك “شركة كار” النفطية، وهي الحجة نفسها للحرس الثوري هذه المرة “استهداف موقع للتجسس لصالح إسرائيل”، في وقت أظهرت تحقيقات اللجنة التي شكلتها الحكومة المركزية العراقية في ما بعد أن الموقع كان منزلاً سكنياً وحسب.
الموقف الرسمي العراقي
الحكومة المركزية العراقية أعلنت استنكارها وإدانتها في بيان ما أسمته “العدوان الإيراني على مدينة أربيل المتمثل بقصف أماكن سكنية آمنة بصواريخ بالستية ما ادى إلى وقوع ضحايا بين المدنيين…”. وقال البيان، “إن حكومة جمهورية العراق تعد هذا السلوك عدوانا على سيادة العراق وأمن الشعب العراقي، وإساءة إلى حسن الجوار وأمن المنطقة، وتؤكد أنها ستتحذ كل الإجراءات القانونية تجاهه ومن ضمنها تقديم شكوى إلى مجلس الأمن”.
وكشف بيان الحكومة العراقية بعض الإجراءات التي ستتخذها مباشرة وفق ما جاء في البيان، من “أن رئيس مجلس الوزراء قرر تشكيل لجنة برئاسة مستشار الأمن الوطني للتحقيق في الهجوم، وجمع المعلومات لدعم موقف الحكومة دولياً وتقديم الأدلة والمعلومات الدقيقة، وسوف يتم الإعلان عن نتائج التحقيق ليطلع الرأي العام العراقي والدولي على الحقائق واثبات زيف ادعاءات الجهات التي تقف وراء هذه الافعال المدانة”.
وزارة الخارجية العراقية استدعت القائم بأعمال السفارة الإيرانية في العراق وسلمته مذكرة احتجاج، في وقت وصل مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إلى مدينة أربيل صباح الثلثاء، مع لجنة أمنية رفيعة المستوى، وكان في استقباله وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد، وعقدا اجتماعاً مباشراً لتحديد آلية عمل اللجنة، وتقديم نتائجها إلى الحكومة العراقية. فيما أصدرت رئاسة البرلمان العراقي بياناً أدانت فيه ما اسمته “العدوان الإيراني”.
الباحث المتخصص بالشؤون الأمنية آلان حساني شرح في حديث مع “النهار العربي” ما أسماه الفعل العسكري الإيراني ضد إقليم كردستان- العراق، وقال “إن الحدث يأتي في ظل عجز سياسي وعسكري تواجهه إيران منذ أشهر عدة، خصوصاً مع بدء حرب غزة الأخيرة. فعلى الرغم من كل اشكال البهرجة العسكرية والأمنية، إلا أن الحرب كشفت عجزاً حقيقياً من قِبلها وخشيتها من الدخول بأية مواجهة، لمعرفتها الأكيدة بهشاشة وضعها الداخلي وإمكان أن تؤدي أية مواجهة عسكرية إلى كسرها. وزاد حدث التفجيرات العسكرية في مدينة كرمان من ذلك الوقت الحرج الإيراني. فقد أثبت اختراقات واضحة في الداخل الإيراني، وفي مكان من المفترض أن يكون الأكثر حصانة، في الموقع الذي كان من المفترض أن يشهد إحياء ذكرى مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، في حضور المرشد الأعلى علي خامنئي”.
اضاف حساني: “لأجل ذلك، ليس لإيران إلا أن تتخذ مجموعة من الإجراءات العسكرية ذات الطابع الاستعراضي، والآمن، التي تعرف أنه لن يكون هناك ردود فعل قوية تستهدفها. فمن طرف تخطف ناقلة نفط عراقية من ميناء البصرة، وتستهدف إقليم كردستان بمثل هذه الهجمات، وتدفع الفصائل اليمنية والعراقية المرتبطة بها للتحرش بالقواعد العسكرية لقوى التحالف الدولي”.
وزارة الخارجية الأميركية وصفت الضربات الإيرانية بأنها “متهورة وتقوض استقرار العراق”، مبدية دعمها للحكومة العراقية ونظيرتها في إقليم كردستان، تلبية لما أسمته “تطلعات الشعب العراقي”. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، “نحن نعارض الضربات الصاروخية المتهورة التي تشنها إيران، والتي تقوض استقرار العراق”.
وشاركت دول وجهات عدة الموقف الأميركي في إدانتها للهجمات الإيرانية. وأصدرت ممثلية الأمم المتحدة في العراق “يونامي” ووزارة الخارجية الكندية ونظيرتها البريطانية بيانات مطابقة لما صدر عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية.
يُذكر أن “جهاز مكافحة الإرهاب” في إقليم كردستان أعلن صباح الثلثاء إسقاط ثلاث طائرات مُسيرة كانت تحاول استهداف مطار أربيل المدني.