
مشروع إمباير في أربيل.
حتى الآن لم تتفاعل أي جهة رسمية عراقية، في بغداد أو أربيل، إيجاباً، مع رواية الحرس الثوري الإيراني، الذي قال إن منزل رجل الأعمال بيشرو دزئي-الذي تم قصفه بصواريخ يُرجح أنها من طراز “فاتح 110”- كان مقراً للموساد.
ويفتش المسؤولون العراقيون عن أسباب أكثر دقة خلف العملية الأخيرة، كأن تكون طهران “قد تعرضت للتضليل من قيادات أمنية إيرانية” أو أن الضربة جاءت “بهدف التجويع” لتفاقم المعاناة الاقتصادية في إقليم كردستان العراق، إلى جانب دور مفترض لـدزئي في طريق التنمية العراقي التركي.
ومنزل دزئي كان واحداً من سلسلة أهداف أعلن الحرس الثوري قصفها في العراق وسوريا، لكنه كان الهدف الأبرز لجهة ردود الفعل التي أثارها داخلياً وخارجياً، خاصة بعد الإعلان عن مقتل رجل الأعمال، وانتشال جثة ابنته جينا التي لم تكمل عامها الأول، إضافةً إلى ضيفه رجل الأعمال العراقي كرم ميخائيل، المتخصص باستيراد الأجهزة الكهربائية.
الحكومة العراقية -المنبثقة من ائتلاف أحزاب صديقة لإيران في معظمها- رفضت التعامل مع الدعاوى الإيرانية، وباستثناء بعض حسابات “أكس”، الموالية للفصائل المدعومة من إيران، لم تجد الرواية الإيرانية أي تجاوب، بل على العكس، تصاعدت ردود فعل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وفريقه، من نبرة “العتب واللوم” إلى إعلان رفع شكوى ضد إيران لدى مجلس الأمن والأمم المتحدة.
في هذا الصدد، قال دبلوماسي عراقي لـ”النهار العربي”، إنه “يستبعد انزلاق التوتر بين البلدين إلى مستوى أكثر تعقيداً” ووصف التصريحات العراقية بأنها “تحت سقف توقعات طهران”، ونبّه إلى أنه “لا ينبغي المبالغة في التصوّرات بشأن خطوة التدويل التي أقدم عليها العراق” مذكّراً بتوتر مشابه بين بغداد ودمشق عام 2009 “وصل أيضاً إلى شكوى عراقية لدى مجلس الأمن، ثم لم يسفر ذلك عن شيء”.
ولدى خالد اليعقوبي -وهو المستشار الأمني لرئيس الوزراء محمد السوداني- تفسير آخر، فهو يعتبر الضربة “محاولة للتغطية على فشل أجهزة الأمن الإيرانية في منع وقوع تفجيرات كرمان”، ويقول إن “القيادات الإيرانية جرى تضليلها، وأن قادة الأمن ربما قرروا تخفيف الضغوط في الداخل فاختاروا أسهل الأهداف”.
أما في أربيل، فإن قراءة العملية من جانبها الاقتصادي، تطغى على بقية التفسيرات.
واستهداف أربيل بالصواريخ البالستية الإيرانية هو الثاني بعد العملية الأولى المتطابقة بالأسلوب والاتهامات ونوعية الهدف، حين قصف الحرس الثوري منزل رجل الأعمال الكردي باز برزنجي، ربيع العام 2022، وقد نجا وعائلته بسبب غيابهم عن المنزل.
مشروع “إمباير”
أما بيشرو دزئي الذي قُتِل في الضربة الإيرانية الأخيرة، فإن مشروع “إمباير” يمثل “درة تاج” مشاريعه الكثيرة.
ومشروع الإمبراطورية، أو “إمباير سكوير” يتجاوز كونه مجرد مجمع سكني، فقد قامت فكرته على صناعة مركز جديد لأربيل، يبتعد عن المركز التقليدي (القلعة الأثرية) بأكثر من 5 كيلومترات، وقد نجحت الشركة بالفعل في جعله “المربع الذهبي” كما يُطلق عليه شعبياً، مع آلاف الوحدات السكنية والتجارية التي تتخذ تصاميم ومواصفات تضاهي مثيلاتها في أوروبا وعواصم الخليج، ويقطنه العرب والأجانب وكبار موظفي الشركات العالمية، وبات على رأس قائمة المنجزات التي تفاخر بها حكومة إقليم كردستان العراق.
ويقول ريبين سلام، الباحث الكردي القريب من أجواء الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن “تكرار استهداف رؤوس الأموال الكردية، يبعث رسالة عنوانها التجويع، فمع إيقاف دفع مستحقات إقليم كردستان من قِبل الحكومة الاتحادية، تتكرر الضربات الإيرانية مستهدفة رأس المال الكردي، الذي يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل”.
ويشير سلام، إلى وجود علاقة بين الضربة الإيرانية، وإعلان رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، نجاح مفاوضاته في بغداد، والاتفاق على إرسال أموال رواتب موظفي الإقليم، قبل ساعات من القصف.
وبعيداً عن ذلك، تربط مصادر صحفية تركية بين بيشرو دزئي، ودور مُفترض كانت ستضطلع به شركاته الإنشائية والأمنية في “طريق التنمية”، وهو مشروع أعلنت عنه ثنائياً بغداد وأنقرة، يستهدف نقل البضائع من مياه الخليج إلى أوروبا، انطلاقاً من ميناء الفاو العراقي “قيد الإنشاء” ثم براً إلى تركيا، بعيداً عن الجغرافيا الإيرانية.