يمثل عدم صدور بيان ختامي عن “قمة القاهرة للسلام” والتي عقدت يوم السبت 21 أكتوبر/ تشرين الاول في مصر، بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أو توجيه رسالة موحدة أو دعوة إلى إنهاء المعاناة الإنسانية للفلسطينيين في غزة، على وجود خلافات عميقة بين الدول العربية والغربية بشأن المجازر الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية؛ إذ كان من المفترض أن يؤدي الاجتماع المغلق بين رؤساء وممثلي الدول الحاضرة في القمة، في العاصمة الإدارية الجديدة (المدينة الضخمة المبنية في الصحراء المصرية الشاسعة)، إلى إصدار بيان ختامي يظهِر فيه الحاضرون اتفاقهم حول عدد من القضايا، ويوجهون دعوة موحدة لوقف العنف وقتل المدنيين من الجانبين.
لكن بدلا من ذلك، أصدرت الرئاسة المصرية بيانا، قالت فيه إن مصر سعت من خلال الدعوة إلى هذه القمة لبناء إجماع دولي يعلو فوق الثقافات والأعراق والأديان والمواقف السياسية. أضاف البيان أن القاهرة سعت إلى بناء إجماع يدعو إلى إنهاء الحرب الدائرة حاليا، والتي حصدت حتى الآن الآلاف من الضحايا من المدنيين الأبرياء من كلا الجانبين.
وجاء في بيان الرئاسة المصرية: “كانت مصر تتطلع إلى أن يطلق المشاركون نداء عالميا للسلام، يتوافقون فيه على أهمية إعادة تقييم نمط التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية”.
انقسامات عميقة
جمعت القمة التي عُقدت على عجل العشرات من زعماء العالم وكبار المسؤولين الحكوميين. وهي أول تجمع دولي بهذا الحجم يُعقد منذ أطلقت إسرائيل حملتها العسكرية الشرسة على قطاع غزة، ردا على الهجمات التي شنتها حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في 7 أكتوبر/تشرين الأول على المستوطنات في جنوب إسرائيل.
ومع ذلك، يبدو أن الزعماء وممثلي الدول الذين تحدثوا في الجلسة العامة للقمة كانوا ينظرون إلى الأمور بشكل مختلف، حتى وإن اتفق معظمهم على ضرورة السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقد ركز الزعماء الغربيون الذين تحدثوا، في المقام الأول، على حق إسرائيل في حماية مواطنيها، ووصف بعضهم حركة “حماس” التي تحكم غزة بأنها جماعة “إرهابية”. بينما ركز الزعماء العرب وممثلو الدول العربية أكثر على الخسائر التي خلفتها الهجمات الإسرائيلية على السكان المدنيين في القطاع، والحاجة إلى توفير الحماية الدولية لشعب غزة ومتطلبات إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كل ذلك مع حرصهم على انتقاد الهجمات على المدنيين من كلا الطرفين.
حضر قمة القاهرة للسلام كثير من اللاعبين الإقليميين المؤثرين، خاصة مصر والأردن، الدولتان المتاخمتان لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة
وسلط رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الضوء على هذه الخلافات بإيجاز بقوله إنه عندما يتعلق الأمر بالتصرفات الإسرائيلية، فإن السياسيين الغربيين ينظرون إليها على أنها دفاع عن النفس.
أضاف السوداني: “لكن، عندما يتعلق الأمر بالأفعال الفلسطينية، فإن الأمر برمته يُنظر إليه من قبل نفس السياسيين الغربيين على أنه إرهاب”.
غياب الشخصيات الرئيسة
حضر “قمة القاهرة للسلام” كثير من اللاعبين الإقليميين المؤثرين، خاصة مصر والأردن، الدولتان المتاخمتان لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة. وحضرت أو مُثلت دول أخرى ذات تأثير متساو في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مثل قطر، التي تستضيف كبار قادة حركة “حماس” التي تحكم غزة، والمملكة العربية السعودية، صاحبة الثقل الإقليمي.
ومع ذلك فإن الخصمين الرئيسين اللذين يوجهان البنادق نحو بعضهما البعض، أي إسرائيل و”حماس”، كانا غائبين ومنشغلين بالقتال.
وحضر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أيضا، ولكن قدرته على التأثير في غزة أو على حماس باتت أمرا مشكوكا فيه.
وتبدو الطريقة التي جلس بها الحاضرون في القمة وكأنها دائرة غير مكتملة، ما يشير إلى وجود شيء مفقود، ويُظهر أن الحاضرين أنفسهم كانوا بحاجة لانضمام لاعبين آخرين حتى تكتمل الدائرة.
وظهر أمير قطر، تميم بن حمد، في حفل الاستقبال قبل القمة؛ وحضر جلسة التصوير قبل بداية الجلسة العامة، لكنه اختفى بعد ذلك، حتى دون إلقاء خطاب. وأثار اختفاء أمير قطر عن الأنظار تساؤلات حول ما إذا كانت الدوحة مستعدة لممارسة الضغط على “حماس”. وفي حال قررت الدوحة القيام بذلك، فهل ستكون هناك جهة قادرة على دفع إسرائيل إلى التهدئة؟ ويعتبر السؤال الأخير مشروعا، خاصة في ظل الانخفاض الشديد لتمثيل الولايات المتحدة في القمة.
مكاسب ملحوظة
وعلى الرغم من كل هذا، يبدو أن القاهرة خرجت كرابح مطلق من هذا الحدث.
وانطلقت القمة بعد ساعتين فقط من بدء الدخول الضئيل للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بعد أن ظلت عالقة على الجانب المصري من الحدود لعدة أيام قبل ذلك.
وكانت مصر قد بذلت جهودا كبيرة خلال تلك الأيام لتوصيل المساعدات، إذ حُرم سكان غزة البالغ عددهم أكثر من 2.3 مليون نسمة من جميع الإمدادات الأساسية. وإضافة إلى ذلك، يواجه النظام الصحي في القطاع المحاصر انهيارا تاما. لكن مصر نجحت في تعبئة المجتمع الدولي خلف هدفها المتمثل في إنهاء التجويع المتعمد لسكان غزة.
وبصرف النظر عن مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية التي وصلت بالفعل إلى العريش، على بعد بضعة كيلومترات من معبر رفح على الحدود مع غزة، فقد نجحت مصر أيضا في تسليط الضوء بشكل كبير على ضرورة مساعدة غزة. وتجلى ذلك بوضوح في خطابات جميع الذين تحدثوا في القمة يوم السبت تقريبا.
بصرف النظر عن مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية التي وصلت بالفعل إلى العريش، على بعد بضعة كيلومترات من معبر رفح على الحدود مع غزة، فقد نجحت مصر أيضا في تسليط الضوء بشكل كبير على ضرورة مساعدة غزة
ويشكل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة– حتى في ظل الشروط الإسرائيلية الصارمة– قضية أمن قومي بالنسبة لمصر التي تسعى جاهدة لمنع تدافع سكان غزة الجائعين والعطشى على حدودها.
كما أعطت القمة الفرصة للرئيس المصري ليؤكد مجددا على رفض بلاده تصفية القضية الفلسطينية ونقل أبناء غزة إلى سيناء. وكان تأكيد السيسي على أن بلاده لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية وتدمير أحلام الدولة الفلسطينية على حساب دول الجوار هو أهم نقطة في خطابه.
وقال السيسي: “أؤكد للعالم، بوضوح ولسان مبين، وبتعبير صادق، عن إرادة جميع أبناء الشعب المصري، فردا فردا: إن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن يحدث”. وأضاف مؤكدا: “وفي كل الأحوال، لن يحدث على حساب مصر أبدا”.
إحياء حلم الدولة
وعبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشكل أكبر عن صمود الفلسطينيين ورفضهم الخروج من أرضهم عندما كرر عبارة “الفلسطينيون لن يتركوا أرضهم” ثلاث مرات، في نهاية خطابه.
وأطلق العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني رسالة مماثلة أيضا، ولفت الانتباه إلى القيمة المتساوية لحياة الفلسطينيين والإسرائيليين. كما انضم العاهل الأردني إلى قائمة الزعماء الذين سلطوا الضوء على ضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بطريقة مستدامة، وتحديدا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُسلط فيها الضوء على حل الدولتين من قبل هذا العدد الكبير من السياسيين وصناع القرار منذ أشهر طويلة، وذلك على الرغم من الوضع الحساس المحيط بالقمة، إضافة إلى كون دماء الفلسطينيين وخسائرهم البشرية أمرا غير مرئي بالنسبة لصناع السياسة الغربيين في مقابل رؤيتهم الواضحة لدماء الإسرائيليين وخسائرهم البشرية.
ويمنح هذا الطرح أملا بأن تتمكن القمة، رغم فشلها في الخروج برسالة موحدة حول ضرورة وقف الحرب وحماية الفلسطينيين والتعامل معهم كبشر متساوين، من تحريك ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي المتوقف منذ زمن. وهو ما وصفه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بـ”الخطوة الأولى على طريق السلام في الشرق الأوسط”.