محللون: ملاحقة سفن إيران وضرب مشروعاتها العسكرية خارج الحدود وفرض عقوبات اقتصادية إضافية وإنهاء حرب غزة
يتم نشر “ثيودور روزفلت” في منطقة تحركات الأسطول الخامس الأميركي لدعم العمليات في العراق وسوريا وفق التوجيهات (أ ف ب)
يتواصل التصعيد في منطقة الشرق الاوسط. ضد القوات والمصالح الأميركية، إذ أدى هجوم بمسيرة على موقع أميركي في شمال شرقي الاردن بالقرب من الحدود مع سوريا والعراق، الأسبوع الماضي، إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة العشرات.
منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما شنت “حماس” هجومها على إسرائيل الذي أطلق العنان لحرب وحشية ضد قطاع غزة، استهدف أكثر من 150 هجوماً صاروخياً وبمسيرات القوات الأميركية في الشرق الأوسط، لكن الضربة التي استهدفت “قاعدة البرج 22” كانت الأولى التي أسفرت عن مقتل جنود أميركيين.
وفور وقوع الهجوم تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات مقتضبة “بالرد في الوقت والطريقة التي نختارها” على الهجوم الذي حددت واشنطن مرتكبيه، مشيرة إلى مجموعة تسمى “المقاومة الإسلامية في العراق”، وتضم فصائل متعددة بما في ذلك “كتائب حزب الله”، وفق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي.
وحمل بايدن إيران مسؤولية الهجوم قائلاً، “إنهم يزودون الأشخاص الذين فعلوا ذلك بالأسلحة”. ومع ذلك، أكد الرئيس الأميركي أنه يرفض توسيع نطاق الصراع في المنطقة، مما طرح تساؤلات داخل واشنطن والعواصم العربية والغربية في شأن خيارات الرد الأميركي التي يمكن أن تكون رادعة من دون التورط في حرب أوسع بالشرق الأوسط.
ومساء الجمعة الماضي، شنت القوات الأميركية غارات جوية على “الحرس الثوري” الإيراني وفصائل موالية لطهران في العراق وسوريا، استهدفت أكثر من 85 هدفاً في البلدين، وفق ما أعلن الجيش الأميركي. ومن خلال ضرب “فيلق القدس” يزيد الرئيس جو بايدن من شدة الرد الأميركي على الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار التي يشنها المسلحون في المنطقة، والتي اقتصرت حتى الآن على الهجمات الجوية على الوكلاء في العراق وسوريا واليمن – وليس على الأعضاء داخل الجيش الإيراني.
على خيط رفيع
وهناك مجموعة واسعة من الخيارات، من بينها تلك الضربات الانتقامية التي يعتقد أنها ليست سوى موجة أولى من الرد الأميركي على الهجوم، لكن الولايات المتحدة تسير على خيط رفيع، فالرد الضعيف لن يفعل كثيراً لردع مزيد من الهجمات التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران، في حين أن الهجوم الكبير يهدد بتوسيع نطاق الاضطرابات في الشرق الأوسط وجر أميركا إلى صراع أوسع.
يقول مراقبون، إنه بينما التهديد أو شن ضربات أميركية قد يؤلم “كتائب حزب الله”، فإنه لن تتمكن أي عملية عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة من “استعادة الردع” ضد إيران، إذ تعتقد الأخيرة أنه لا توجد فرصة لأن تخوض الولايات المتحدة حرباً معها، لأسباب ليس أقلها أن واشنطن تستمر في قول ذلك. وطالما ظل هذا الاعتقاد قائماً ستستمر طهران في دعم وكلاء لاختبار حدود عزيمة الأميركيين.
وتوضح الزميلة لدى المجلس الأطلسي في واشنطن كريستين فونتينروس، أن صناع القرار في طهران على يقين من أن إدارة بايدن تكره المخاطرة بالتصعيد في عام الانتخابات، وهم على حق بقدر ما لا يريد الناخبون الأميركيون جر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، لكن سوء تقدير طهران يكمن في حساب الأمر من منظور عقلية الجمهور الإيراني في شأن فقدان أحد أعضاء “الحرس الثوري” الإيراني، فعلى النقيض يهتم الأميركيون كثيراً عند فقدان أفراد الخدمة العسكرية الأميركية، وسوف يمنحون رئيسهم صلاحيات أعظم نتيجة لذلك.
مزيد من الأهداف
اختارت واشنطن تجنب توجيه ضربات مباشرة داخل إيران والتركيز على وكلائها في المنطقة وقدرات “الحرس الثوري” الإيراني في الدول المجاورة. ومع ذلك، يختلف المراقبون في شأن فاعلية تلك الاستراتيجية في ردع السلوك الإيراني. تقول فونتينروس إن استهداف مستودعات الأسلحة خارج إيران حتى الآن لم يردعها أو هجماتها بالوكالة على الأفراد والشركاء الأميركيين. فيمكن لقائمة الأهداف إضافة الأصول الإيرانية خارج إيران بما يتجاوز أصول الوكلاء، كما يمكن إدراج السفن الإيرانية التي تعبر البحر الأحمر ضمن الأهداف من دون اعتبارها تصعيداً، وسيكون ذلك في إطار الرد على الهجمات المماثلة من الحوثيين في اليمن ضد سفن الشحن في المنطقة.
ومن غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستختار ملاحقة السفن الإيرانية المشتبه بأنها تساعد الحوثيين في العثور على أهدافها بالاستخبارات الإلكترونية. وكانت المرة الأخيرة التي استهدف فيها الجيش الأميركي سفينة إيرانية في عام 1988، عندما شنت البحرية هجمات انتقامية في الخليج العربي بعد إصابة سفينة أميركية بلغم زرعته إيران.
التحوط من الحرب
لكن الصقور داخل الكونغرس ممن ينتمون إلى الحزب الجمهوري يرون ضرورة استهداف طهران بشكل مباشر بسبب الهجوم المميت على القاعدة في الأردن. وقال السيناتور ليندسي غراهام إن ضرب وكلاء إيران لم يردعهم. ودعا إدارة بايدن “لضرب أهداف ذات أهمية داخل إيران، ليس فقط انتقاماً لمقتل قواتنا، ولكن كرادع ضد أي عدوان مستقبلي”.
وفي حين يؤكد المدافعون أهمية توجيه ضربات داخل إيران، بما في ذلك “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري”، ما من شأنه أن يبعث برسالة قوية ومباشرة إلى طهران لا سيما أن الضربات الأميركية على الميليشيات المدعومة من إيران في الأشهر الأخيرة لم تردعهم، لكنها ستكون أيضاً الخطوة الأكثر خطراً.
ويتجه معظم أعضاء الكونغرس نحو ضبط النفس، قائلين إن الإدارة يجب أن تتخذ نهجاً استراتيجياً ومدروساً لتجنب تصعيد التوترات وجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في عام الانتخابات. وقالت النائبة الديمقراطية سارة جاكوبس، في بيان إن “المواجهة المباشرة مع إيران ستؤدي بالتأكيد إلى مقتل مزيد من أفراد الخدمة الأميركية، ويمكن أن تتوسع بسهولة إلى صراع إقليمي”.
ويخشى المراقبون في واشنطن من أن توجيه ضربة داخل إيران يمنح ذريعة للنظام لشيطنة الولايات المتحدة ومن ثم الحصول على مزيد من الدعم بالداخل وإثارة المشاعر القومية، كما أن مقتل مزيد من المواطنين الإيرانيين لن يكون مؤثراً لدى النظام في طهران، لذا فإن مهاجمة الأصول الإيرانية أو القادة الإيرانيين خارج البلاد قد تكون أكثر قبولاً، وقد فعلت الولايات المتحدة ذلك عام 2020، عندما قتلت قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني بغارة بمسيرة في العراق، رداً على الهجمات على القواعد الأميركية هناك والهجوم على السفارة الأميركية في بغداد.
ويقول المجلس الأطلسي، إن الضرب داخل إيران لن يغير مسار النظام، فالأهداف الإقليمية للنظام – المتمثلة في إخراج الولايات المتحدة من المنطقة والقضاء على إسرائيل والتحول إلى القوة الإقليمية المهيمنة في نظام عالمي جديد – لا تتضمن لغة تتحدث عن رخاء شعبه أو السلام في الشرق الأوسط. ومن ثم فإن الخسارة المحتملة في الأرواح الإيرانية نتيجة أي ضربات مباشرة لن تحرك النظام، بل في الواقع يمكن أن تقدم خدمة له.
تكثيف ضرب المشروعات
يقول مسؤول الاستخبارات الإسرائيلية السابق آفي ميلاميد، إن إيران لديها مشاريع استثمارية عسكرية بمليارات الدولارات في سوريا، ومن خلال ضرب تلك المشاريع يمكن للولايات المتحدة أن تعاقب طهران من دون التهديد بالتصعيد بضربة مباشرة.
وأشار إلى أن أحد الأمثلة على ذلك هو مجمع كبير بالقرب من البوكمال يستخدم لتخزين الصواريخ الباليستية، وسبق للولايات المتحدة أن ضربت منشآت هناك رداً على هجمات الميليشيات.
وأضاف ميلاميد في تصريحات لوكالة “أسوشيتد برس”، “لا يوجد نقص في الأهداف العسكرية في سوريا التي يمكن للإدارة الأميركية استهدافها وإلحاق أضرار كبيرة بالنظام الإيراني”.
وتستهدف الضربات الأميركية الحالية أصولاً رئيسة مثل مراكز القيادة والسيطرة ومنشآت الاستخبارات ومواقع تخزين الصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيار والمرافق اللوجيستية والذخائر. ووفق وسائل إعلام أميركية لا يتمثل الهدف في تدمير البنية التحتية التشغيلية الحالية فحسب، بل أيضاً في ردع الهجمات المستقبلية.
عقوبات اقتصادية إضافية
الخيار غير العسكري هو دائماً العقوبات الاقتصادية التي طالما استخدمتها واشنطن ضد خصومها المزعجين. وقال كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جيم ريش، إن إدارة بايدن “يجب أن تتبنى سياسة تجاه إيران تركز على فرض كلفة اقتصادية وعسكرية كبيرة على النظام”. ويمكن للولايات المتحدة أن تعزز العقوبات التي تهدف إلى قطع تدفق الأموال إلى إيران ووكلائها، وبخاصة في العراق. وقد فرضت الإدارة بالفعل عقوبات على بعض الميليشيات العراقية، لا سيما “كتائب حزب الله، وكذلك على الشركات التي يعتقد أنها تنقل الدولارات إلى الميليشيات أو إلى إيران.
هذه الخيارات لا تمثل السلسلة الكاملة من البدائل المفتوحة أمام الولايات المتحدة، إذ يتحدث المراقبون عن أدوات مثل الحرب السيبرانية والخداع العسكري وتفعيل قوة العمل الجديدة لمكافحة تمويل الإرهاب. ووفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإنه قبيل تنفيذ الولايات المتحدة ضربات، الجمعة، فرضت إدارة بايدن عقوبات على ضباط ومسؤولين في “الحرس الثوري” الإيراني، لتهديدهم سلامة مرافق المياه والمساعدة في تصنيع مسيرات إيرانية، وكشفت عن اتهامات ضد تسعة أشخاص من إيران وتركيا وسوريا وعمان لبيع النفط لتمويل جماعتي “حماس” و”حزب الله”، كما طالت العقوبات سلسلة من المسؤولين في منظمة “الحرب الإلكترونية والدفاع السيبراني” التابعة لـ”الحرس الثوري”، ومن بينهم زعيمها حميد رضا لشكريان.
وركزت مجموعة أخرى من العقوبات، التي أصدرتها وزارة الخارجية، على أربع شركات قالت الولايات المتحدة إنها توفر المواد والتكنولوجيا لبرامج المسيرات والصواريخ الإيرانية. وتمثل المسيرات الإيرانية مصدر قلق خاص لأن روسيا تستخدمها بأعداد كبيرة ضد أوكرانيا.
والإجراءات جزء من جهد منسق على مستوى الحكومة لعرقلة جهود إيران لاستخدام مبيعات النفط غير المشروعة لتمويل الإرهاب، وللرد على العمليات السيبرانية الهجومية ذات القدرة المتزايدة في البلاد. ففي السنوات الـ15 التي تلت شن الولايات المتحدة هجوماً إلكترونياً كبيراً على المنشآت النووية الإيرانية (هجوم ستاكسنت)، قامت البلاد بتدريب جيل من المتسللين وردت بهجمات عسكرية ضد إسرائيل والولايات المتحدة من بين دول أخرى. وقال مسؤولان أميركيان إن الولايات المتحدة نفذت عمليات إلكترونية ضد أهداف إيرانية، الجمعة، لكنهما رفضا تقديم تفاصيل.
ويتفق الباحثون لدى مركز مكافحة الإرهاب بالأكاديمية العسكرية الأميركية في نيويورك، على أن الضربات الجوية الأميركية، إلى جانب العقوبات والاتهامات، بمثابة استراتيجية متعددة الأوجه لردع مزيد من العدوان من إيران ووكلائها. ومن خلال استهداف البنية التحتية الحيوية مثل مراكز القيادة والسيطرة والعمليات الاستخباراتية ومرافق تخزين الأسلحة، ويهدف هذا النهج إلى تقويض قدرة إيران على إبراز قوتها في سوريا والعراق.
وتقول سارة هارموش إن الطبيعة الشاملة والواسعة للرد الأميركي تشير إلى موقف قوي ضد التهديدات التي يتعرض لها الاستقرار الإقليمي والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وعزل إيران دبلوماسياً واقتصادياً، مع تقليص دعمها وكلاء إقليميين. وهذا يؤكد التزام الولايات المتحدة بمواجهة النفوذ الإيراني الذي يمكن أن يضعف استراتيجيات المشاركة الإقليمية لطهران ومواقفها التفاوضية وقدرتها على تشكيل تحالفات.
إنهاء حرب غزة
بالنظر إلى أن ذريعة الهجوم تتعلق بالحرب بين إسرائيل و”حماس”، يقول مراقبون إن أي رد أميركي يمكن أن ينسحب بشكل غير مباشر على مسار ذلك الصراع مما يؤثر على الجهود الدبلوماسية المستقبلية وتوازن القوى الإقليمي. ويقول نائب رئيس مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن جون ألترمان، إن التوصل إلى اتفاق في غزة من شأنه أن يخفض حدة التوتر الإقليمي ويعيد بناء التعاون مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ويمنح بعض الرياح لأشرعة الدبلوماسية الأميركية.
وضع حد للحرب بين إسرائيل و”حماس” من شأنه أن يحبط إيران بطريقتين. فأولاً، سيزيل أي مبرر للأعمال العنيفة التي يقوم بها وكلاؤها في جميع أنحاء المنطقة. وثانياً، سيزيل الغطاء الذي يستخدمه النظام لتعزيز قوته محلياً وقمع المعارضة قبل انتقال القيادة إلى رجل دين آخر في ظل كبر سن المرشد الحالي.
ويدفع المشرعون في طهران إلى مشروع قانون من شأنه أن يزيد من صلاحيات “الحرس الثوري” الإيراني وميليشيات “الباسيج”، وهي ميليشيات تطوعية مسلحة تابعة للنظام، وقد أمر القادة بإعدام عدد مثير للقلق من المشاركين في احتجاجات عام 2022.
ومع ذلك، يقر المراقبون في واشنطن أن إنهاء الحرب بين إسرائيل و”حماس” لن يؤدي إلى تغيير مسار طهران، التي على رغم من مظاهر الدعم التي يظهرونها، فإن قادتها غير مهتمين برفاهية الفلسطينيين، وبينما أرسل الإيرانيون مئات الملايين من الدولارات إلى “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطيني، فإنهم لم يوجهوا هاتين الجماعتين لاستخدام أي من هذه الأموال لبناء ملاجئ حماية من القنابل أو تخزين الطعام أو الوقود للمدنيين المعرضين للخطر.