أحدثت المحكمة الاتحادية العراقية خضة في الحياة السياسية في إقليم كردستان، بعد إلغائها فقرات عدة من قانون الانتخابات المحلية الخاصة بالإقليم، و”فرضها” لمجموعة من المحددات والضوابط على الانتخابات البرلمانية المقبلة، المزمع إجراؤها في الصيف، ما قد يُغير الموازين بين القوى السياسية النافذة في الإقليم، وخصوصاً أن هذه القرارات من المحكمة الاتحادية جاءت كنتيجة لمخاصمة بين الأحزاب الرئيسية في الإقليم.
قرارات حاسمة بشأن الانتخابات
حسب قرار المحكمة الأخير، فإن المفوضية المستقلة للاستفتاء والانتخابات في إقليم كردستان لن تستطيع الإشراف على الانتخابات البرلمانية المقبلة، وستتولى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق مسؤولية ذلك. كذلك لن يبقى إقليم كردستان دائرة انتخابية واحدة خلال الانتخابات المقبلة، بل سيتحول إلى أربع دوائر، حسب المحافظات. كذلك لن يتألف البرلمان المقبل من 111 مقعداً كما كان، إذ ألغت المحكمة المقاعد التي كانت مخصصة لأبناء القوميات الآشورية – السريانية والتركمانية، والبرلمان الآتي سيكون مؤلفاً من 100 مقعد فحسب.
جاء ذلك عقب جدال سياسي مطول بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، إذ كان الأخير يتهم الأول بـ”الاستحواذ فعلياً” على مقاعد الأقليات القومية، وتالياً تشكيل الأغلبية البرلمانية. وبسبب خلاف الطرفين على آلية جديدة لتوزيع مقاعد الأقليات القومية على مناطق الإقليم، لجأ الاتحاد الوطني إلى المحكمة الاتحادية، طالباً تدخلها لحل الملف.
كيف سيردّ “الديموقراطي”؟
لم يصدر موقف رسمي من الحزب الديموقراطي الكردستاني، أكبر أحزاب الإقليم، والذي يرى مراقبون أن القرارات الأخيرة للمحكمة الاتحادية في غير مصلحته، باعتباره التيار السياسي الحليف للأحزاب السياسية الممثلة للأقليات القومية في الإقليم. لكنّ مصدراً سياسياً مقرباً من الحزب قال لـ”النهار العربي” إن القرارات الأخيرة “غير دستورية، وتمت بكيدية سياسية واضحة تجاوزت فيها المحكمة حدود صلاحياتها، من حيث المضمون وما من المفترض أن تختص بها المحكمة الاتحادية”، إذ إن الدستور ينص صراحة على “رفعة” قوانين الإقليم في حال تعارضها مع القوانين الاتحادية.
القيادي في الجبهة التركمانية ووزير الإقليم لشؤون المكونات آيدن معروف، صنف قرارات المحكمة الاتحادية باعتبارها “ضد الكوتا ومكونات إقليم كردستان”، مضيفاً في تصريحات لوسائل إعلام محلية “إن التنوع العرقي والديني في إقليم كردستان أقوى بكثير من قرار المحكمة الاتحادية، سواء كانت هناك مقاعد مُخصصة للكوتا أم لا. هذه المقاعد نُظِّمت وفقاً للقانون، فضلاً عن أنها حقٌ شرعي، لأن إقليم كردستان متعدد الأعراق والأديان”.
على العكس تماماً، رأى عضو المجلس القيادي ورئيس كتلة الاتحاد الوطني في البرلمان زياد جبار خلال مؤتمر صحافي تابعه “النهار العربي” أن القرار الأخير أعاد العدالة إلى الفضاء السياسي في الإقليم، وأضاف: “تبين لنا أن نظام الدائرة الواحدة للانتخابات لا يجسد العدالة الجغرافية لتمثيل الشعب في برلمان كردستان، وكانت هذه المسألة تحظى بأهمية بالغة لدينا بأن يكون هناك تمثيل نيابي لأهالي جميع مناطق كردستان في البرلمان، وليس مثلما كان في السابق حيث اختل التوازن وكان هناك تمثيل غير متوازن لممثلي الشعب… إن الاتحاد الوطني يرى من الضروري أن يكون لأبناء المكونات القومية تمثيل ومكانة حقيقية في جميع المراحل، كما أن لديهم الحقوق والواجبات مثل الأكراد في إقليم كردستان، لهذا نريد أن يمثل أبناء المكونات أنفسهم في القانون الجديد لا أن يكون تمثيلاً لطرف سياسي معين”.
قرار يطال النفوذ التركي
الكاتبة والباحثة نارين مراد شرحت في حديث مع “النهار العربي” التحولات السياسية التي قد تحدث داخل الإقليم حسب هذه القرارات المتخذة، وتأثيراتها المستقبلية، وقالت “لا يُعرف حتى الآن ما يُمكن أن يرد به الحزب الديموقراطي الكردستاني على هذا القرار، خصوصاً أن المسألة لا تمس نفوذه فحسب، بل أيضاً النفوذ التركي، ويستجيب بوضوح لتطلعات العديد من الأحزاب العراقية المركزية (الشيعية)، الأقرب لإيران، وتعتبر الاتحاد الوطني الكردستاني حليفها الكردي، وتتطلع لأن يكون مزاحماً للديموقراطي الكردستاني في البرلمان المحلي، كما ظهر جلياً في أكثر من مناسبة سياسية خلال المرحلة السابقة”.
ولفتت إلى أن ذلك “يحدث في وقت لا يملك الديموقراطي الكردستاني أدوات متعددة للرد على قرار المحكمة الاتحادية. حسب ذلك، فإن التوازن المتوقع في التشكيلة المقبلة لبرلمان الإقليم ستدفع إلى واحد من حلين قطبيين، إما الدخول في حالة المزاحمة الشديدة بين الحزبين، وتالياً حدوث توتر في الحياة السياسية في الإقليم، أو إعادة بلورة الاتفاق الاستراتيجي بينهما، كما حدث في عام 2005، وإن حسب معايير جديدة”.
المفوضية العراقية العليا المستقلة للانتخابات اقترحت قبل يومين على رئاسة إقليم كردستان أن تكون بداية شهر حزيران (يونيو) موعداً لإجراء انتخابات برلمان الإقليم، وذلك عقب اجتماع مشترك بين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ورئاسة إقليم كردستان وبعثة الأمم المتحدة في العراق لتحديد موعد افتراضي لإجراء انتخابات برلمان كردستان.