في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الإسرائيلية في غزة في التمدد والتوسع نحو نزاع إقليمي، يزداد خطر وقوع هجمات نووية وانتشار الأسلحة النووية. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، حذر رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أنه قد تكون لتصعيد الأعمال العدائية “أبعاد نووية”. من أجل فهم هذا الوضع المقلق، تقدّم صدى وجهتَي نظر لخبيرَين في هذا المجال.
لعل التهديدات الأخيرة التي أطلقها وزير إسرائيلي باستخدام الأسلحة النووية في غزة قد أكدت عن غير قصد قدرات إسرائيل النووية، حسبما يقول ساجد عزيز. لطالما اعتمدت إسرائيل سياسة التعتيم المتعمد فيما يتعلق بحيازتها أسلحة نووية، وفي هذا الصدد، يبيّن عزيز كيف قدّمت الحكومات الأميركية المتعاقبة الدعم لإسرائيل في هذا المجهود. وفيما تواصل الولايات المتحدة دعم الحملة الإسرائيلية في غزة وتكتفي بإدانة خجولة للتموضع النووي الإسرائيلي، يعتبر عزيز أنها ربما تقوّض الجهود العالمية التي تسعى إلى حظر الانتشار النووي.
يتمعّن محمود جوادي عن كثب في النظام العالمي المعني بعدم الانتشار النووي، ويشير إلى أن الاستفزازات الإسرائيلية والإيرانية على السواء ستؤدي على الأرجح إلى استمرار فكرة الردع النووي لدى الدول العربية. لكن، وعلى الرغم من احتدام التشنجات، يوضح جوادي أنه يمكن أن يكون هناك تكامل بين مبادرتين ديبلوماسيتين تتمثّلان في معاهدة حظر الأسلحة النووية والتوجه لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، بحيث تعزز كل منهما الأخرى، وقد توفّران السبيل الأفضل لكبح انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.
بوحٌ نووي
كشفت الحرب الإسرائيلية في غزة النقاب عن أحد الأسرار الأسوأ حفظًا في الشرق الأوسط.
ساجد عزيز
تسلّط الأزمات الخطيرة الضوء على خفايا عميقة. في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد أقل من شهر على بدء الحرب الإسرائيلية في غزة، أشار وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو إلى أن إلقاءقنبلة نووية على غزة هو أحد الخيارات الممكنة. صحيح أن إلياهو تعرّض من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعُلِّقت مشاركته في اجتماعات مجلس الوزراء، ولكنه احتفظ بمنصبه في الحكومة، لا بل أعاد تاكيد موقفه المؤيد لاستخدام السلاح النووي في أواخر كانون الثاني/يناير.
حيازة إسرائيل أسلحة نووية حقيقةٌ ، ولكن نادرًا ما يؤكدها المسؤولون الإسرائيليون. ففي إطار سياسة تُعرَف بـ”عميموت – وهي كلمة عبرية تعني التعتيم أو الغموض – يمتنع القادة الإسرائيليون عن نفي أو تأكيد حيازة بلادهم للأسلحة النووية، بزعم الحفاظ على عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط. يُشار إلى أن البرنامج النووي الإسرائيلي يعود إلى خمسينيات القرن العشرين، حين أُنشئ مركز النقب بالقرب من ديمونة. وحظي البرنامج، في سنواته الأولى، بالدعم من فرنسا التي زوّدته بالمفاعلات النووية وتكنولوجيا فصل البلوتونيوم، وحتى إنها تشاركت، وفقًا لبعض التقارير، بيانات الاختبارات النووية مع إسرائيل. وفي حين أن إسرائيل طوّرت، حسبما أُفيد، سلاحها النووي الأول في منتصف ستينيات القرن العشرين، تملك الآن مخزونًا مؤلَّفًا من تسعين سلاحًا، وقد كشفت دراسات صدرت في العقود الأخيرة مزيدًا من التفاصيل عن قدراتها.
أثارت تصريحات إلياهو انتقادات واسعة على الصعيدَين الإقليمي والدولي، وتجددت الدعوات للمبادرة بصورة عاجلة إلى بذل جهود لحظر الانتشار النووي. ففي مقر الأمم المتحدة في نيويورك،ادان ممثّلو الصين وإيران والدول العربية تصريحات إلياهو، خلال مشاركتهم في مؤتمر للعمل من أجل جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وقد اعتبرت إيران أن حيازة إسرائيل للأسلحة النووية تشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي، أما الصين فدعت من جهتها إسرائيل إلى الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وفي السياق عينه، اعتبر متحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الدعوة لاستخدام الأسلحة النووية في غزة غير مقبولة. ولكن، وفي محاولة منه لإرساء توازن قسري، حثّ “جميع الأطراف على الامتناع عن التصرفات الشائنة”. وبصورة عامة، كان الرد الأميركي على حيازة إسرائيل للأسلحة النووية فاترًا ومتراخيًا، ما يعكس الأنماط التي سادت في السابق، باستثناء السياسة التي انتهجتها الامريكية. فعلى سبيل المثال، في عام 1968، حين أبلغ مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، ريتشارد هلمز، الرئيس الأميركي ليندون جونسون بأن هناك معلومات استخبارية ملموسة عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، طلب منه الرئيس إخفاء المعلومات لتجنّب اتخاذ أي إجراء على صعيد السياسات.
منذ تسلّم كلنتون الحكم، حصلت إسرائيل على ضمانات بأن الجهود التي تبذلها واشنطن لضبط التسلّح في الشرق الأوسط لن تؤثّر في البرنامج النووي الإسرائيلي. وحتى عام 2020، منعت الولايات المتحدة الشركات من نشر صور عالية الدقة تلتقطها الأقمار الصناعية لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة بموجبن. علاوةً على ذلك، بذلت إسرائيل جهودًا دؤوبة لتقويض المساعي الهادفة إلى منع الانتشار النووي من خلال خطواتها التي تتعارض مع خطة العمل الشاملة المشتركة التي هدفت إلى وقف البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، في ممارسة تتنافى حتى
ثمة تناقض شديد بين النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة في مقاربتها للأسلحة النووية الإسرائيلية وبين أسلوبها في التعامل مع إيران، وذلك بتوجيهٍ من الاعتبارات الجيوسياسية التي تطغى على الالتزام بمنع الانتشار النووي. وحتى عندما امتثلت يران للشروط التي فرضتها خطة العمل الشاملة المشتركة، انسحبت إدارة ترامب أحاديًا من الاتفاق النووي، ورفضت إدارة بايدن استئناف العمل به.
إن الولايات المتحدة، ومن خلال استمرارها في تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل خلال النزاع في غزة، حتى في وجه الخطاب النووي الخطير، لم تجازف بالتسبب باحتدام التشنجات في المنطقة فحسب، بل أبقت أيضًا على يقوّض هذا النهج المصداقية الأميركية في ضمان الأمن والاستقرار، بينما يتسبب بإضعاف النظام العالمي لعدم الانتشار في مرحلةٍ تشتد فيها الحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.
ساجد عزيز باحث مستقل يركز على مسائل الأمن والسياسة الخارجية. عمل سابقًا مستشارًا لدى مركز الأبحاث Strategic Policy Planning Cell (SPPC) الذي يتّخذ من إسلام أباد مقرًّا له. لمتابعته عبر منصة “إكس