تقدم بدايات فصل الربيع في أوكرانيا شكلا مزدوجا من الراحة القصيرة. أولا، يضمن المناخ الأكثر اعتدالا أن تصبح الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار المكثفة التي تشنها روسيا على منشآت الكهرباء والغاز في البلاد أكثر قابلية للتحمل. ومع الدفء الوافد مع الربيع يأتي الوحل أيضا، ليجعل حركة الآليات العسكرية صعبة لمدة شهر أو نحو ذلك، وهو ما يعني إعاقة موجة الهجمات الروسية على طول خط المواجهة الذي يمتد على طول شرق أوكرانيا وجنوبها. سوى أن ذلك لن يدوم طويلا. ومع توغل الربيع باتجاه الصيف، يتنامى الخوف من أن تشن روسيا هجوما جديدا كبيرا، كما فعلت في السنة الماضية. وتبدو قدرة أوكرانيا على صد هذه الأزمة هذه المرة أقل تأكيدا الآن مما كانت عليه آنذاك. ولهذا السبب لا بد لها أن تقوم وبشكل عاجل بحشد المزيد من القوات وبناء دفاعات أكثر قوة على الخطوط الأمامية.
من المفهوم أن يلوم الأوكرانيون ساسة العالم على محنتهم، فقد أدى انشغال حلفاء أوكرانيا الغربيون بتطورات الشرق الأوسط، والانتخابات المقبلة ومشاكلهم الاقتصادية إلى تشتيت جهدهم وتركيزهم. وتسلط تقاريرنا الضوء على مدى تأثير قرار الجمهوريين الداعمين لترمب في الكونغرس بعرقلة حزمة المساعدات العسكرية التي تقدمها إدارة بايدن لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار على ظروف المعركة على الأرض وفي سماء أوكرانيا.
والآن، تجد القوات الأوكرانية نفسها في وضع يتعين عليها فيه الحفاظ على الذخيرة، ومواجهة تفوق القوات الروسية عليها بشكل كبير، مع وجود فوارق تصل إلى خمسة إلى واحد في مناطق معينة. ففي إحدى الليالي الأخيرة، تعرضت أوكرانيا للقصف بأكثر من 150 طائرة دون طيار وصاروخ، الأمر الذي أدى إلى نقص حاد في الصواريخ الاعتراضية، وخاصة تلك القادرة على القضاء على أشد التهديدات خطورة.
جنود اوكرانيون على متن مدرعة “سبارتان” البريطانية الصنع قرب بلدة تشاسي يار في 30 مارس
إن الطريق المسدود الذي وصلت إليه أميركا ينذر بالسماح لروسيا باختراق الخطوط الدفاعية غير الكافية في أوكرانيا. ولم يكن أداء الأوروبيين أفضل بكثير، على الرغم من الخطابات العدائية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- الذي يصر على ضرورة هزيمة روسيا دون أن يكلف نفسه عناء إرسال سوى القليل من المعدات للمساعدة في تحقيق ذلك- أو المستشار الألماني الباهت، أولاف شولتز، الذي يرفض تزويد أوكرانيا بصواريخ “توروس” القوية بعيدة المدى. لقد فشلت أوروبا في تحقيق هدفها المعلن بإرسال مليون قذيفة إلى أوكرانيا بحلول هذا الشهر، على الرغم من أن جمهورية التشيك كانت تجوب العالم لتعويض النقص. وثمة مشكلة أخرى هي المال، ولا بد أن تساعد أوروبا في تحقيق هذه الغاية أيضا، سوى أن كثيرا من الدول الأوروبية، بينها فرنسا وبولندا، تمنع صادرات أوكرانيا الزراعية الحيوية من دخول أراضيها من أجل حماية مزارعيها.
الطريق المسدود الذي وصلت إليه أميركا يسمح لروسيا باختراق الخطوط الدفاعية القليلة في أوكرانيا وأداء الأوروبيين ليس أفضل كثيرا
ومع ذلك، لا يمكن لأوكرانيا أن تلوم حلفاءها فحسب. فقد ارتكبت هي أيضا أخطاء كبيرة، منها فشلها في مجال تأمين القوة البشرية. واليوم، تستعد روسيا لموجة أخرى من التعبئة، وتتطلع إلى هجومها الكبير التالي. ولا ريب في أن الهجوم الإرهابي الأخير أثناء حفل موسيقي في قاعة الحفلات الموسيقية بموسكو يوم 22 مارس/آذار سيكون معينا، عن غير قصد، في رواية فلاديمير بوتين، حيث يستخدمها للقول إن روسيا يجب أن تظل قوية ضد الخصوم المتعطشين للدماء. بينما لا تزال محاولات تجنيد مجندين جدد، في أوكرانيا، عالقة في دهاليز العملية الديمقراطية. وذكرت تقارير أن أكثر من 1000 تعديل على مشروع قانون قد قدّم في البرلمان لمنح الحكومة مجالا أكبر لزيادة عديد الجيش الذي تحتاجه. ولكن الرئيس فولوديمير زيلنسكي لم يبذل قصارى جهده لتحقيق مراده، بسبب نقص الأموال وخوفا من تراجع شعبيته.
وفوق ذلك، تأخرت أوكرانيا كثيرا في تعزيز مواقعها الدفاعية. بطريقة ما، هذا أمر مفهوم. بيد أن الحكومة لا تزال تحلم بشن هجوم مضاد جديد، وتخشى أن يتحول خط المواجهة الحالي إلى ما يشبه الحدود، فتخسر خمس البلاد وتحرم من معظم منفذها البحري. إن فكرة أن هذا الخط قد يصبح الأساس لمفاوضات السلام المستقبلية هي بالضبط ما يحاول السيد زيلنسكي تجنبه. ومع ذلك، فإن المخاطر المتزايدة يمكن أن تجعل هذا الاحتمال الخيار الأقل سوءا. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت جهود البناء، ويجري الآن تنفيذ الإجراءات الدفاعية. لقد كان لذلك أن يبدأ قبل ذلك بكثير. ومع ذلك، دعونا نأمل أن لا يكون الأوان قد فات.