سبق وأن كتبتُ في مقالٍ سابق أنَّ الإدارة الذاتيّة قد فشلت على المستوى الخدمي، فيما حققت على المستوى العسكري نجاحاً باهراً، كذلك الأمر استطاعت قطع أشواطٍ جيدة فيما يخص الملف السياسي المعني بحل النزاع في البلاد، وتحقيق أهدافها المنشودة في اللامركزيَّة.
إليكم هذا المثال الحي من واقعنا الراهن:
كما نعلم أنَّ موسم الحصاد في مناطق الإدارة قد بدأ منذ فترة وما يزال مُستمراً حتّى اللحظة، أي أن المزارعون، مِمَّنْ يُشكلون شريحةً واسعةً من المُجتمع، مُنهمكون الآن بأمور حماية الحقول من الحرائق الطبيعية والمُفتعلة، واجراءات الحصاد، وبيع المحاصيل، وأمور أخرى ذات صلة. إذ أنَّ الشعب ينتظر محصول الحصاد بفارغ الصبر، لأنَّه يُشكل مصدر دخل جيد لمعظم سكان المنطقة، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد مُجملاً وبمناطق الإدارة الذاتيّة على وجه الخصوص.
ماذا تفعل الإدارة الذاتيّة الآن؟
أولاً: لم يتم الانتهاء من تجهيز مراكز استلام الحبوب (الصوامع) بعد.
لا يُمكن التهاون في هذا الأمر على الإطلاق! كان لدى مؤسسات الإدارة المعنية بتجهيز وصيانة وإعداد مراكز الاستلام وقتٌ كاف (منذ انتهاء الموسم الزراعي السابق) للقيام بالإجراءات الضروريّة، وذلك قبل بدء موسم الحصاد الحالي بأشهر وأسابيع، ومن حق المزارعين الآن طرح السؤال التالي: ماذا كانت تفعل الإدارة كل هذا الوقت؟
ثم أنَّ خطر الحرائق ما يزال قائماً نظراً لارتفاع درجات الحرارة في الأيام القليلة المُنصرمة، وتوقع ارتفاعها أكثر مع اقترابنا من فصل الصيف. ثم أنَّه ليس من المُمكن أن يترك المزارعون محاصيلهم في العراء (في الحقول على سبيل المثال) خوفاً من عمليات السرقة والنهب، بالإضافة إلى عدم توفر إمكانية تخزين أخرى لدى المزارعين إلى حين افتتاح مراكز الاستلام.
وهذا يدفع الناس بشكلٍ أو بآخر إلى إجراء مُقارنةٍ من المُفترض أنَّها لا تليق بالإدارة الذاتيّة، وهي مُقارنة كيفية تعامل الإدارة مع موسم الحصاد مع سلوك الحكومة السوريّة، التي سبق وأن جهّزت مراكزها، وحدّدت سعر الشراء.
ثانياً: لم يتم تحديد سعر شراء المحاصيل الزراعية بأنواعها (القمح، الشعير، العدس ومحاصيل زراعية أخرى) بعد.
عدم كشف الإدارة عن سبب التأخير يدفعنا لطرح بعض التساؤلات. على سبيل المثال: ١. هل ستكون أسعار الشراء في هذا الموسم مُنخفضة مُقارنة بالموسم الزراعي الفائت؟ ٢. هل تخشى الإدارة من ردة فعل الشعب، وتريد أن تمهد للأمر على نحو أفضل؟ أم ٣. تريد الإدارة التزام الصمت إلى حين قُرب موعد الانتهاء من موسم الحصاد لتعلن فيما بعد عن قائمة الأسعار الخاصّة بها، ليضطر المزارع حينها إلى بيع محصوله بالسعر الذي تريده الإدارة، نظراً لعدم توفر إمكانيات التخزين لديه، كذلك الأمر صعوبة تسويق محصوله بشكلٍ آخر؟
لا بُدَّ للإدارة الذاتيّة أن تُعلن في أسرع وقتٍ مُمكن عن قائمة الأسعار الخاصّة بشراء محاصيل الموسم الزراعي لعام ٢٠٢٤.
ثالثاً: لم يتم الكشف عن أسباب التأخير فيما يتعلق بتجهيز مراكز الاستلام (الصوامع)، كما وسبب تأخر تحديد سعر شراء المحاصيل، من خلال مؤتمر صحافي أو بيان من المؤسسة الزراعية والتقنية المعنية.
هذا يزيد من التوتر، ويدع مجالاً واسعاً للتأويل. كما أنَّ عدم إقدام الإدارة على هذه النقطة حتّى الآن قد يُلحق الضرر بمصداقيتها لدى أحد أهم فئات المُجتمع، فئة المزارعين.
خُلاَصة: على الإدارة الذاتيّة أن تتحرك فوراً من خلال الضغط على اللجان المعنية بتجهيز مراكز الاستلام، وتحديد الأسعار في أقرب وقتٍ مُمكن، وإصدار بيان توضح فيه أسباب التأخير.