في حال تنفيذ مبادرة ويتكوف المعدّلة بتدخّلٍ قطريّ، ستكون جزءاً من مسارٍ طويلٍ. وحتّى لو مضى حسب أفضل سيناريو يصمّمه الوسطاء، فإنّ الحسم المنشود يظلّ بعيداً إذا ما كان الهدف الأساس هو إنهاء الحرب، ودخول اليوم التالي ومواجهة قضاياه الأكثر تعقيداً من كلّ ما سبق، مثل مَن يحكم غزّة؟ ومن يتولّى مهامّ إعادة الإعمار؟ وضمن أيّ شروط يتمّ الانسحاب الإسرائيلي؟ وما هو موقع “حماس” والسلطة في إدارة غزّة؟ ثمّ، وهذا هو الأمر الأكثر أهميّة بالنسبة لإسرائيل، كيف تكون غزّة خاليةً تماماً من أيّ تهديدٍ أمنيّ، وعنوان ذلك اجتثاث “حماس” ليس من الحكم وإنّما من الجذور، والسلاح في هذه الحالة هو الأساس؟!
هل يبحث نتنياهو كلّ هذه المعضلات مع ترامب؟ البحث ممكن بين الرجلين ومساعديهم، غير أنّ ما هو أقرب إلى المستحيل أن يجدا حلولاً حاسمةً ولو لواحدةٍ منها.
إذاً غزّة هي الأسهل إذا ما نُظر من زاوية الصفقة، لكنّها الأصعب إذا ما نُظر في ما بعد الصفقة.
في حال تنفيذ مبادرة ويتكوف المعدّلة بتدخّلٍ قطريّ، ستكون جزءاً من مسارٍ طويلٍ
الملفّ الإيرانيّ
أعادت النتائج الملتبسة لحرب الاثني عشر يوماً الملفّ إلى ما كان عليه قبل الحرب، وحين تقرّ أميركا بأنّ المشروع النووي لم يدمَّر بالكامل، لكنّ إنتاجه الحربي تأجّل، وتدعو الإيراني إلى التفاوض، فعلامَ يجري البحث في البيت الأبيض مع نتنياهو؟
منطقيّاً ما يمكن بحثه هو كيفية تحييد إسرائيل عن أن تكون شريكةً في خيارات أميركا لما بعد الحرب، والنظر لرزمة الإغراءات التي يمكن أن تُعرض على إيران في حال الذهاب إلى المسار التفاوضي، ومنها مثلاً رفع العقوبات أو خفضها، وما يتّصل بحصر المشروع النووي في الإطار السلميّ، وإقامة علاقات تجارية واستثمارية يحتاج إليها الطرفان الأميركي والإيراني، وأشياء أخرى لا نعرفها، وكلّ هذا لا يرضي إسرائيل، ولن يُسمح أميركيّاً بأن تكون شريكةً فيه، لأنّ إسرائيل مهما قاتلت وأبدعت في المجال الحربي، فالنقطة في آخر السطر هي لأميركا، صاحبة الأجندة الإيرانية المختلفة كثيراً عن الأجندة الإسرائيلية حدّ التناقض.
لقد استولى ترامب على الجهد الإسرائيلي الحربي القويّ والفعّال، الذي بُذل خارج نطاق المشروع النووي الإيراني، وليس في نيّته مشاركة إسرائيل في الأجندة السياسية وقراراتها لما بعد الحرب، ولربّما نرى في اللقاء الاحتفالي الذي سيتمّ قريباً في البيت الأبيض ما يؤكّد نهج الرئيس النرجسيّ مع زيلينسكي الثاني نتنياهو، بفارقٍ لا يتعدّى الصورة وخطابات الإطراء المتبادل، ويكفي وصفاً ربّما يكون دقيقاً لعلاقة الرجلين ما كان ترامب أعلنه قبل اللقاء من أنّه مثلما أنقذ إسرائيل فسوف ينقذ العزيز بيبي الذي يلزم كأداة وليس كشريكٍ مؤثّرٍ في القرارات النهائية إلّا بشأن غزّة.
منطقيّاً ما يمكن بحثه هو كيفية تحييد إسرائيل عن أن تكون شريكةً في خيارات أميركا لما بعد الحرب
مسار أبراهام
لا يضرّ ترامب أن يبحث مع نتنياهو تفصيليّاً كلّ ما يتّصل بهذا المسار، غير أنّ ما ينبغي الانتباه له وحتّى البناء عليه هو أنّ حجر الزاوية في مسار أبراهام هي المملكة العربية السعودية، وحتّى لو صدقّنا ترامب في ادّعائه أنّ طابور الراغبين بالانضمام إلى المسار يمتدّ لمعظم دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فإنّ أمامنا حالتين تدلّان على التبسيط المفرط في ما يقوله ترامب.
الحالة الأولى سوريا وامتدادها اللبناني. إنّ أقصى ما يمكن بلوغه في هذه الحالة هي اتّفاقات وتفاهمات أمنيّة مجالها الحدود مع وعود بأن يصل الأمر في وقتٍ ما إلى التطبيع، وهذه مسألة تختلف كثيراً عن رؤية أعلام إسرائيل لدمشق ولبيروت، فما زالت الأمور على ما كانت عليه، حين كان الأسد يحكم ثمّ الشرع، والأمر هنا لا يلغي التغيير الهائل الذي حدث في سوريا، وكيف أثّر على المنطقة بأسرها، غير أنّه في مجال مسار أبراهام والتطبيع المماثل لما حدث مع الدول المطبّعة، فما يزال الأمر بعيداً حتّى لو بدا أنّه غير مستحيل.
الحالة الثانية، وهي المفصليّة منذ بداية مسار أبراهام، وهي الحالة السعوديّة التي فترت الرغبة الإسرائيلية في التطبيع معها بفعل فداحة الثمن الذي يتعيّن على الدولة العبريّة دفعه جرّاء رؤية العلمين في الرياض وتل أبيب، فهل بوسع ترامب ونتنياهو تذليل العقبة السعوديّة التي هي في الأساس ليست سعوديّة فقط؟
ربّما يُنتج لقاء واشنطن بين ترامب ونتنياهو إنضاجاً للصفقة الجزئيّة التي يجري الحديث عنها الآن، وأمّا في ما بقي من ملفّات فقد يجري بحثها دون الاقتراب من حسمها، والعلّة الأساسية هي في إسرائيل المصابة حكومتها بجنون العظمة بحيث تريد كلّ شيء دون أن تقدّم أيّ شيء، وكذلك في أميركا التي ما تزال تمنح إسرائيل في شأن القضيّة الفلسطينية حقّ الفيتو على أيّ أمرٍ يتعلّق بحلّها… وسنرى.