لم يعد السؤال في بيروت اليوم: ماذا سيتضمن الرد اللبناني على ورقة توماس باراك؟ بل أصبح السؤال الحقيقي: ماذا سيكون موقف الموفد الأميركي عندما يكتشف أن لا شيء تغيّر في موقف “حزب الله”؟
كل المعطيات المتقاطعة من الداخل والخارج تؤكد أن الحزب لا ينوي تسليم سلاحه كما ورد في الورقة الأميركية. المراجعة الاستراتيجية التي يجريها قد تفضي إلى خطوات شكلية أو جزئية، لكنها لا تمس جوهر معادلة القوة التي بناها الحزب طوال عقود. وما بين محاولة واشنطن إنجاز تسوية تحفظ ماء الوجه، وسعي الحزب الى شراء الوقت في انتظار تغير موازين القوى، يبقى لبنان الرسمي عالقاً بين المطرقة الأميركية والسندان الايراني.
الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، الذي يجول على المسؤولين اللبنانيين، لا ينقل رسائل مجاملة. اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين حملت تحذيراً واضحاً: اللحظة الاقليمية لا تحتمل المراوغة، وأي تعطيل للمسار التفاوضي سيدفع الأميركي إلى رفع يده عن الملف، تاركاً لبنان لمصيره في مواجهة تصعيد إسرائيلي محتمل وعزلة دولية أكيدة.
لكن هل يستطيع لبنان الرسمي كسر موقف الحزب؟ الجواب لا يزال معلقاً بانتظار ما سيحمله باراك من رد فعل أميركي، وما إذا كانت إدارة دونالد ترامب ستقبل مجدداً بسياسة شراء الوقت، أم أنها ستنتقل إلى خطة الضغط الأقصى.
في المقابل، يتصرف “حزب الله” بحذر شديد. هو يدرك أن ترسانته التي راكمها لحماية لبنان من العدوان الاسرائيلي تحولت إلى عبء داخلي وخارجي. لكنه أيضاً يدرك أن التخلي الكامل عن هذا السلاح يعني انتهاء دوره كقوة إقليمية. لذلك، يلمّح إلى إمكان تسليم بعض الصواريخ والطائرات المسيّرة مقابل انسحاب إسرائيلي كامل ووقف الهجمات، لكنه يحتفظ بحق الدفاع عن النفس وبهامش من السلاح المتوسط والخفيف.
المشكلة أن إسرائيل لا تنتظر. ثلاث عمليات توغل خلال أسبوع واحد، وآلاف الخروق منذ وقف إطلاق النار، تؤكد أن تل أبيب تستخدم الميدان للضغط على طاولة التفاوض. وفي الوقت نفسه، تترقب المنطقة اللقاء المرتقب بين ترامب وبنيامين نتنياهو، والمفاوضات النووية الأميركية – الايرانية، والتي قد ترسم مصير الساحات الاقليمية ومنها لبنان.
أما داخلياً، فالحراك السعودي لم يقتصر على الاجتماعات الأمنية والسياسية، بل وصل إلى بكركي والديمان، حيث حمل الأمير يزيد بن فرحان دعوة واضحة إلى الكنيسة المارونية و”التيار الوطني الحر”: المطلوب اليوم موقف وطني موحّد يحمي لبنان من الانهيار، قبل فوات الأوان.
في المحصلة، لبنان أمام خيارين واضحين: إما التقاط اللحظة الاقليمية والدولية لاعادة بناء الدولة على قاعدة سلاح واحد وسيادة واضحة، أو الغرق مجدداً في لعبة الوقت والمراوغة، حيث لا رابح في النهاية.
الكرة اليوم في ملعب “حزب الله”… فإما أن يقدّم “نصف الجواب الآخر” قبل يوم الاثنين المرتقب، أو أن يدفع الجميع ثمن التأجيل مرة جديدة.