من حق الفلاحين تنظيم المظاهرات، والخروج إلى الشوارع، والتنديد بهذا القرار، الذي أقل ما يُقال عنه أنَّه ضد الفرد والمُجتمع. إذ أنَّه بمثابة تشريعٍ للصوصيَّة، وهي سرقة لقمة الفلاح بطريقةٍ قانونية.
نحن نعيش في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، وكما هو واضحٌ من الاسم فإنَّها إدارةٌ ديمقراطيّة – فيما لو كانت ديمقراطية حقيقية بالفعل، من تلك الديمقراطيات المُتعارف عليها في العالم – من المُفترض أنَّها تضمن لجميع فئات المُجتمع حقهم في التظاهر، وتنظيم الاعتصامات، ومقاطعة الانتخابات البلدية أيضاً.
وهذا ما يجب أن يحصل، أي أن يخرج الفلاحون وعوائلهم إلى الشوارع في تظاهراتٍ كبيرة، ويطالبوا الإدارة بتعديل تسعيرة شراء مادة القمح فوراً!
من ناحية أخرى يبدو أنَّ في الأمر لعبةٌ مُحكمة.
تفيد بعض المصادر المحليّة أنَّ صوامع الإدارة مُمتلئة، ولا حاجة لها في شراء المزيد. ولمّا كان من الصعب على الإدارة أن تُصدّر إنتاجها من القمح بشكلٍ شرعي إلى الخارج، فإنَّها تعمَّدت أن تشتري محصول القمح هذا العام بسعرٍ بخس. في المقابل تستعد مراكز استلام الحبوب التابعة لحكومة دمشق لشراء القمح من المزارعين بسعرٍ أعلى. يبدو أنَّ الإدارة تريد أن تدفع الفلاحين نحو بيع محصول القمح لهذا العام للحكومة السورية.
ما تزال الحكومة السورية تُمثل الدولة السورية، وهي قادرةٌ على شراء كل قمح سوريا، حتّى وإن كان الإنتاج فوق حاجتها، إذ أنَّها ببساطة لا تستهلك كل ما تشتريه، وإنَّما تقوم بتصديره إلى الخارج. أمّا الإدارة الذاتية فغير قادرة على تصدير القمح إلى خارج سوريا بطريقةٍ شرعية، كما وأنَّ بيع محصولٍ كاملٍ من القمح في السوق السوداء في الخارج عمليةٌ مُعقدةٌ ومُكلفة.
تتصرف الإدارة الذاتية هُنا وفق عقلية التاجر لا الإدارة. إذ أنَّها تقوم بشراء محصول الفلاحين من القمح متى احتاجت إليه وبسعرٍ مرتفع. وفي السنة التي لا تحتاج فيها الإدارة إلى كمياتٍ كبيرةٍ من القمح فإنَّها تتعمَّد تخفيض التسعيرة بشكلٍ كبير حتّى لا تضطر لشراء كمياتٍ كبيرةٍ من القمح، وإن اشترت كمية معينة فسيكون بمقدورها تصدير وتسويق هذه الكمية داخلياً. الإدارة الذاتية تتبع مصالحها لا مصالح الشعب والمصلحة العامة بعقلية التاجر هذه، التي أصدرت هذا القرار.
في حال منعت الإدارة المزارعين من بيع محصولهم للحكومة فإنَّها إذ تريد أن تحصل على القمح بسعرٍ بخس، لتقوم هي ببيعه فيما بعد داخلياً بسعرٍ أفضل. أمّا إذا سمحت للفلاحين ببيع محصولهم للحكومة دون أن تُسبب لهم أيَّة مشاكل، فإنَّها إذ تريد أن تنتهي الأمور على خير، ويهدأ الشارع قليلاً.
تكمن المشكلة في أنَّ المنطقة تملك كمياتٍ كبيرةٍ من القمح، وقد يكون من الصعب أن تصل إلى مراكز الاستلام التابعة للحكومة، وبالتالي قد يضطر الكثيرون لبيع محصولهم للإدارة الذاتية مُكرهين.
آلان بيري

كل التفاعلات:
محمد حجي، وIssa Cheikho و٣١ شخصًا آخر