منذ أحداث السابع من أكتوبر، اكتسب اسم (أبو عبيدة) شهرة واسعة لم تقتصر على الفلسطينيين، بل امتدت إلى البلدان العربية، وإلى مؤيدي ومتابعي القضية الفلسطينية في العالم. فماذا يعني هذا لحماس؟
“صدى” نشرة إلكترونية تندرج في صلب برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. تسعى إلى تحفيز وإغناء النقاش عن أبرز الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، وتقدّم فسحة للمفكرين والكتّاب، الجدد كما المعروفين في مجالاتهم، يتسنّى لهم من خلالها الإضاءة على هذه المواضيع من وجهة نظر تحليلية.
تعكس خطابات أبي عبيدة تصورات حركة حماس للحرب الدائرة مع إسرائيل وخصوصا عملياتها العسكرية. إذ تمثل هذه الخطابات رؤية الجهاز العسكري للحركة، وهي تمتاز بعدة ميزات يمكن تلخيصها كالتالي:
أولا: توضيح أهداف حماس ومنطلقاتها لتنفيذ هجوم السابع من أكتوبر. ثانيا: رفع معنويات مقاتلي القسام بهدف تحدي الجيش الإسرائيلي والاستمرار في قتاله. وثالثا: رفع مستوى وعي الجمهور الفلسطيني والعربي والدولي بمحاولات إسرائيل تهجير وإبادة سكان قطاع غزة. تتميز خطابات أبو عبيدة بالدقة في سرد المعلومات والأخبار التي تُقدم مدعومة بمقاطع الفيديو والصور، حيث تركز المقاطع المصورة لحظات المواجهة مع الجنود الإسرائيليين، أو قنصهم، أو تدمير آلياتهم العسكرية. ويلاحظ، أن هذه الخطابات تستشهد بآيات من القرآن الكريم وذلك لتعزيز الروح المعنوية والدينية لدى مقاتلي القسام وكذلك المؤيدين المتابعين والملهمين بشخصية أبي عبيدة، الذي لا يغفل عن التركيز على الدفاع عن المسجد الأقصى بواصفه واجبا عليهم، لما يشكل هذا الخطاب من أهمية في استمرار قدرة المقاومة الفلسطينية على تحمل مسؤولية الدفاع عن القدس.
تحتوي خطابات أبي عبيدة على تهديدات صريحة بالانتقام موجهة لجنود الجيش الإسرائيلي، بوصفهم أهدافا عسكرية لمقاتلي القسام. ذكر أبو عبيدة عدة مرات بأن أعداد الجنود والضباط القتلى أو الأسرى أكثر مما يتم الإعلان عنه. مؤكدا أن العمليات العسكرية لكتائب القسام استهدفت وأوقعت قتلى بشكل محقق في أول أيام الحرب.
أيضا، تركز الخطابات على البعد الإنساني كما ظهر ذلك مقاطع الفيديو التي تظهر عمليات الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين والأجانب خلال فترة الهدنة المؤقتة في غزة. فقد أظهرت المقاطع التي نشرها الإعلام العسكري لحماس احتراما وعناية في تعامل عناصر القسام، خاصة مع الأسيرات والأطفال، ما بدد رواية إسرائيل المزعومة بوحشية المقاتلين، الأمر الذي أكسب القضية الفلسطينية تعاطف فئات من الجمهور الإسرائيلي والدولي، ما أدى إلى دحض رواية إسرائيل بشأن سوء معاملة حماس للأسرى والمحتجزين لديها.
يمكن القول إنه بفضل تنوع المحتوى الإعلامي لخطابات أبي عبيدة، وظهوره بوصفه شخصيةً موثوقة، تعبر عن رؤية حماس السياسية والعسكرية، وتسعى لتغيير صورة إسرائيل لدى الجمهور الإسرائيلي، قد يكون أحد الأسباب التي أدت لتحقيق تعاطف دولي مع قضية فلسطين. إذ تعكس خطاباته تنسيقا بين الجهازين السياسي والعسكري التابعين للحركة في الوقت الذي يعمل فيه على زعزعة ثقة المجتمع الإسرائيلي في رواية المتحدث العسكري الإسرائيلي، ولهذه الاستراتيجية بعد نفسي سيء لدى القادة والضباط والجنود الإسرائيليين، الأمر الذي أشار إليه أبو عبيدة قائلا إن “العدوّ مهزوم نفسيًّا”.
ولهذا كله، تحاول إسرائيل جاهدة الكشف عن هوية أبو عبيدة، فقد أعلنت مرارا على لسان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في مقطع فيديو انتشر على منصة X، اسما مفترضا لأبي عبيدة وهو حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، ونشر له صورة مفترضة، وزعمت صحيفة يديعوت أحرونوت أن أبا عبيدة حصل على درجة الماجستير من كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة في عام 2013 لكن حماس، رغم ذلك، تحافظ على سرية شخصيته، وتعتمد على قوته الإعلامية سلاحا أساسيا في مواجهة الجيش الإسرائيلي، وفي تأكيد هويتها الوطنية والإسلامية.
يذكر أن ظهور أبي عبيدة لا يقتصر على هذه الحرب، بل تعدد ظهوره في حروب سابقة وتصعيدات وأحداث عسكرية أخرى، فقد برز دوره في أحداث مهمة مثل حرب 2014، وكذلك عند أسر الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، وفي عام 2006 وقت أسر الجندي جلعاد شاليط، وعند إطلاق سراحه في عام 2011 مقابل الإفراج عن 1000 أسير فلسطيني.
من هذه الخطابات، تتضح الأهمية القصوى التي توليها حركة حماس للإعلام بوصفه جزءا أساسيا لتعزيز العمل العسكري المقاوم لإسرائيل، ودحض وتفنيد الرواية الإسرائيلية. ويتضح أن الحركة تدرك بأن المعركة ليست عسكرية فقط، وإنما هي معركة الرواية والخطاب والتأثير على الجمهور الداخلي والخارجي. باختصار، أصبح أبو عبيدة يمثل صوتًا قويًا يعكس تصورات كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية في دفاعها عن قضية الشعب الفلسطيني ويعزز الوعي الدولي بمعاناتهم ونضالهم.