بعد مرور أيام على زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ووزير الدفاع السابق، سيرغي شويغو، لإيران، لم يحسم الإعلام الروسي أمره بشأن المهمة التي ساقت شويغو إلى طهران. تختلف مواقع هذا الإعلام والمحللون الروس حتى بشان طبيعة الزيارة وتوقيتها. فمنهم من اعتبرها “زيارة خاطفة” (Blitz visit)، وآخرون قالوا بأنها زيارة تم الإعداد لها منذ ما قبل التصعيد الأخير في المنطقة. بعضهم اعتبرها “زيارة وساطة”، وآخرون اعتبروا أنها تأتي في سياق التحضير للتوقيع على الإتفاقية الإستراتيجية بين البلدين التي يتم إعدادها من سنوات. كما رأى بعضهم أن الزيارة تهدف إلى إقامة إئتلاف دبلوماسي فائق الإتساع (super coalition) للحؤول دون الإنزلاق إلى حرب شاملة. وثمة من رأى أن هدف الزيارة كان إقتصادياً، تمحور حول التأكيد على أهمية مشروع طريق “شمال جنوب” الذي يمر عبر دول عديدة ومن بينها أذربيجان، وهو ما ساق شويغو إلى باكو بعد طهران.
وكما هي العادة في الأنظمة التسلطية، يُحاط الحدث بسيل من الشعارات التي تموه حقيقة ما جرى فعلياً، وتبقي “السر” في مأمن من الأعداء المتربصين بالنظام. ما شاع في الإعلام الروسي عن شويغو نفسه، اقتصر على قوله أثناء اللقاء مع الرئيس الإيراني الجديد، بأن روسيا مستعدة للتعاون الكامل مع إيران في المجالات كافة. كما شاع أيضاً أن بوتين حمّله رسالة إلى القيادة الإيرانية التي تمنى عليها بألا يسبب ردّها حرباً شاملة في المنطقة. وما شاع عن رأي الإيرانيين في الزيارة لم يتخط ما رددته إيران طوال الأيام الماضية من وصف ردها العتيد بالحتمي والقاسي، والكفيل بتلقين إسرائيل والغرب درساً قاسياً.
إضافة إلى تعداد الأسلحة وأنواعها التي طلبتها إيران من شويغو، كان تعليق وزراة الخارجية الأميركية قد أوجز رأي الغرب في زيارة شويغو. فقد نقل موقع المطبوعة الإلكترونية الأوكرانية gordonua واسعة الإنتشار باللغة الروسية، في 6 آب الجاري، ما علق به ممثل الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في 5 الجاري، يوم الزيارة. قدم الموقع لنصه المقتضب بالإشارة إلى أن وكالة “تاس” الرووسية أعلنت يوم الزيارة أن الرئيس الإيراني الجديد ومسؤلين إيرانيين آخرين سيستقبلون شويغو لمناقشة “التعاون بين الجانبين”، وكذلك “أمن المنطقة والعالم”. ويجري هذا في حين تهدد إيران بالهجوم على إسرائيل بعد قيام الأخيرة باغتيال إسماعيل هنية.
قال ميلر أن ليس لدى الولايات المتحدة أي توقعات بأن روسيا ستلعب دوراً بناءاً في خفض مستوى التوتر في الشرق الأوسط. وأشار إلى أن الأميركيين لم يروا أن الروس لعبوا دوراً بنّاءً في “هذا الصراع” منذ هجوم حماس على إسرائيل الخريف المنصرم. وربط زيارة شويغو بمشاركة إيران في الحرب ضد أوكرانيا، وقال بأن الزيارة تعزز العلاقات ين إيران وروسيا التي تجول في المنطقة للبحث عن دعم غزوها لأوكرانيا.
المحلل السياسي الروسي Sergey Markov الذي أدلى بدلوه في بازار التخمينات حول أهداف زيارة شويغو، نقلت عنه صحيفة Gazeta.ru قوله في 5 الجاري، ثلاثة أسباب محتملة للزيارة. عدا السبب الأول الذي بدا ماركوف متأكداً منه، أي المساعدة في إلحاق الأذى بواشنطن وأصدقائها، طرح السببين الآخرين في صيغة أسئلة. فتساءل ما إن كانت روسيا تريد أن تكون وسيطاً بين إسرائيل وإيران مع الدول العربية للحؤول دون وقوع حرب كبرى، وما ستعد به إيران مقابل ذلك. كما تساءل إن كانت روسيا تريد من خلال الزيارة أن تستطلع احتمالات نشوب حرب كبرى في المنطقة. كما يطرح Markov إحتمال أن تكون الأهداف الثلاثة مجتمعة تشكل هدف زيارة شويغو.
وفي إصدار لاحق، في 7 الجاري، نقلت الصحيفة عينها عن الخبير في شؤن الشرق الأوسط Stanislav Tarasov قوله لقناة الفاشيين الروس Tsargrad.tv بأن الزيارة مرتبطة بخطط إقامة إئتلاف دبلوماسي فائق الإتساع (super coalition) يشكل نوعاً من العائق في حال تطور الصراع إلى حرب واسعة النطاق. ويرى الخبير أن الوضع بدأ يتطور منذ اللحظة التي دعا فيها البيت الأبيض إلى تنشيط الدبلوماسية تجاه إيران لخفض مستوى التوتر. وحينها أخذت إيران تتشاور مع البلدان العربية والأوروبيين بشأن خطة إقامة هذا الإئتلاف.
يقول الخبير إن المَخرج من هذا الوضع يتمثل في عودة إسرائيل إلى القاهرة للتفاوض على تسوية سلمية في غزة، وهو ما سيُعتبر حلاً لجميع المشاكل. ورأى أن الرد المحتمل من قبل إيران هو نتيجة لرفض إسرئيل العودة إلى المفاوضات، مشيراً إلى أن الرد هو بمثابة “حفظ ماء الوجه” بالنسبة إلى إيران. ويعتبر أن زيارة شويغو ليست عَرَضية، وتأتي في سياق هذه الترسيمة.
صحيفة الإزفستيا الجديدة الإلكترونية (غير الإزفستيا القديمة) نشرت في 6 الجاري نصاً تحدثت فيه عن “شويغو الوسيط”، وإمكانية روسيا الإضطلاع بمهمة الحؤول دون إندلاع حرب جديدة بين إيران وإسرائيل “الزعيمتين في الشرق الأوسط”. ونقلت الصحيفة عن الباحث في معهد الإستشراق الروسي Boris Dolgov قوله بأن زيارة شويغو إلى طهران ليست عَرَضية. وقد تكون موسكو تسعى من خلال الزيارة إلى التعبير عن دعمها لطهران، والإشارة إلى موقفها في المواجهة الإفتراضية المسلحة.
وقالت الصحيفة أنه، وعلى خلفية النقص في المعلومات، أخذت تظهر فرضيات مختلفة بشأن أهداف زيارة شويغو. إحدى هذه الفرضيات تقول بأن روسيا تختبر الأجواء لتصبح وسيطاً بين إيران وإسرائيل. وتستند روسيا في سعيها هذا إلى مواقعها القوية في الشرق الأوسط، ووقوفها غير مرة على مسافة واحدة من الأطراف في مختلف الصراعات.
وكالة الأنباء الروسة Regnum نشرت في 7 الجاري نصاً تحدثت فيه عن الأسباب “الحقيقة” لزيارة شويغو إلى إيران. فقالت الوكالة أن هدف زيارة شويغو، حسب الرواية الرسمية الإيرانية، هو “تعزيز التفاعل ومناقشة المشاكل الإقليمية والدولية والعلاقات السياسية الثنائية في المجال الأمني”.
ونقلت الوكالة عن المحللة السياسية Elena Suponina قولها أن زيارة شويغو جرى التخطيط لها منذ فترة طويلة، وليست مرتبطة بالأحاث الجارية في المنطقة. وكانت الزيارة في إطار الإعداد لإتفاقية التعاون الإستراتيجي بين موسكو وطهران والتي يجري الإعداد لها منذ سنوات.
ورأت المحللة أن الرئيس الإيراني الجديد، ومع أنه يُعتبر إصلاحياً، يدرك جيداً أهمية العلاقات مع روسيا. وهو ينشط ضمن الأطر التي حددها المرشد الأعلى، والتي لم يتخطّها أي رئيس إصلاحي. ونقلت عن الرئيس الجديد قوله في اللقاء مع شويغو، أن روسيا كانت أحد البلدان التي دعمت الشعب الإيراني في الأوقات الصعبة. وأكد أن تطوير العلاقات مع هذا الشريك الإستراتيجي هو أولوية للسياسة الخارجية الإيرانية، وينبغي تسريع تنفيذ الإتفاقيات التي سبق أن توصل إليها البلدان.
موقع وكالة الأنباء الأذرية الرسمية azertag، نشر في 8 الجاري، نصاً تناول فيه أيضاً الهدف “الحقيقي” لزيارة شويغو، والذي جعله يعرّج على باكو بعد طهران. نقل الموقع عن الروسي المتخصص في العلوم التاريخية Oleg Kuznetsov قوله بأن الهدف الحقيقي الوحيد لزيارة شويغو إلى طهران وباكو، قد يكون الإطلاع وتقييم جدية عزم القيادة الإيرانية على شن “ضربة ثأرية” لإغتيال إسماعيل هنية في طهران. وأشار المؤرخ إلى أهمية العلاقة الإقتصادية الجدية التي تربط بين إيران وروسيا وأذربيجان، في إطار تنفيذ مشروع ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، حيث ترى كل دولة مصلحتها الخاصة. وقال بأن المصلحة الإقتصادية لا يجب ان ينساها أحد مهما بلغت شدة الإضطرابات السياسية والعسكرية. وفسّر على هذا الأساس رسالة بوتين التي حملها شويغو إلى القيادة الإيرانية طالباً منها الإمتناع عن الأشكال المتطرفة في الرد على إغتيال هنية.