أيام الزمن الجميل
حلم آخر راودني هذا الأسبوع. رأيت في ما يرى النائم أن سوريا تحولت إلى نظام ملكي، بعد ستة عقود من حكم حزب البعث، والأغرب أنهم اختاروني دون عباد الله جميعًا ملكًا على العرش.
كان عليّ أن أواجه وفدًا من زملاء ورفاق بعثيين وشيوعيين وقوميين جاؤوا معاتبين يسألون: كيف تجرّأت على القبول بعودة نظام ملكي “رجعي” إلى الحكم، وخنت شعارًا رددناه طوال 61 عامًا.
أجبتهم على سؤالهم بسؤال آخر: ما النفع الذي عاد علينا من ترديد الشعار؟ لم أنتظر الجواب، ومضيت قائلا: الوحدة لم تتحقق، والاشتراكية ثبت أنها وهم. لا يبقى من الشعار إلا الحرية وهذه ستظل حلمًا يراود البشر، أعدكم أن أحافظ عليه.
أما عن “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، فقد ثبت بالدليل القاطع أننا لسنا حتى شعبًا واحدًا، فكيف نكون أمة واحدة؟ وما هي “الرسالة الخالدة” التي حملناها للبشر؟ فشلنا في حمل رسالة إلى شعوبنا، كيف نحمل رسالة إلى العالم؟
أن نقيم نظامًا ملكيًا، يحفظ للعائلة المالكة قيمتها المعنوية. نظام تحترم فيه الأقليات، وحريات الرأي، خير من ترديد ألف شعار أجوف.
ستقولون إئتنا بدليل تطمئن به قلوبنا.
أقول انظروا من حولكم، لتروا أن الدول المستقرة في المنطقة، هي الدول الملكية.
قولوا لي هل مصر بعد عام 1952 أفضل حالًا من مصر قبل ذلك التاريخ؟ الجنيه المصري الواحد كان يساوي حينها 4.1 دولار أميركي. هل تعرفون ما قيمته اليوم؟ تقريبًا 50 جنيها لكل دولار (49.25). وفي ذلك “الزمن الجميل” كانت القاهرة تحمل لقب باريس الشرق.
آخر عهد لسوريا مع الملوك عندما جلس على العرش الملك فيصل الأول لفترة جيزة، كانت الليرة السورية في عهده مرتبطة بالفرنك الفرنسي، وكل ليرة تساوي 20 فرنكًا. اليوم وبعد نضال أكثر من 60 عامًا، وبعد أن بحت حناجرنا من ترديد الشعارات، قيمة الليرة السورية مقابل الدولار 14 ألف و689 ليرة.
هل هناك ضرورة لأن أتحدث عن اليمن والسودان وليبيا والجزائر وموريتانيا.. أترك بيني وبينكم غوغل، ارجعوا إليه. الأنظمة الأيديولوجية لم تجلب معها سوى الأزمات حتى أصبحنا متسولين نجلس على أبواب صندوق النقد الدولي.
ستقولون إن الأنظمة الملكية رجعية، وقد ناضلت شعوبنا طويلًا للانفكاك من أسرها. أقول لكم هناك 12 دولة أوروبية تعيش في ظل نظام ملكي، من بينها 6 دول ضمن الاتحاد الأوروبي، وخمس دول خارج الاتحاد، بينها المملكة المتحدة التي كانت عضوًا في الاتحاد الأوروبي وانسحبت في 31 يناير 2020. لا يستطيع عاقل وصفها بالرجعية.
ولا تنسوا أنّ من أول محاسن قيام نظام ملكي في سوريا، عودة السوريين الذين غادروا بلدهم مكرهين، ليساهموا في بنائها ونمو اقتصادها، وأن تعود سوريا، بكامل ترابها، موحدة في نظام ملكي دستوري، بدلًا من أن تكون محكومة من ميليشيات موالية لجهات خارجية.
عن نفسي سأتحمل اللوم والتقريع وكل الاتهامات التي ستوجه إليّ، فأنا على قناعة أن نظامًا ملكيًا أفضل لسوريا وأهلها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وإلى أن يحين ذلك الوقت، رجاءً لا توقظوني من حلمي الجميل.
علي قاسم