لا يستوعب “العقل” الشعبوي الكردي وجود تيار مستقبل كردستان سوريا في صفوف المجلس الوطني الكوردي ناهيك عن الالتزام بمواقفه وسياساته..! وهو الذي لم يتبنى بعد احياء ذكرى يوم استشهاد ناطقه الرسمي؟ لكن يهمنا في هذا الصدد أن نؤكد بأننا لا نحاول إقناع أحداً وان ما سيأتي لاحقاً لا يحمل طابعاً دفاعياً أو سجالياً …، بل هو عبارة عن سد بعض الثغرات التي يتم الدخول من خلالها ، وتوضيح بعض الإشكالات التي لا يستطيع استيعابها “عقل” من ينظر إلى الأمور بصورة سطحية ….!
ففي إطار المشهد السياسي والعسكري المعقد في سوريا ، يُشكّل المجلس الوطني الكوردي (ENKS) المكوّن الاساسي الذي يعبّر عن تطلعات الشعب الكردي في سوريا سياسياً وقومياً ، وأحد الاطراف الرئيسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وفي هيئة التفاوض عبر البحث عن حلول للأزمة السورية وفق القرار الاممي 2254 ، ومع ذلك ، يفهم البعض بشكل غير دقيق وجود تيار مستقبل كردستان سوريا في المجلس الوطني الكوردي ، ويتساءل عن مدى تأثير التيار على سياسة المجلس الوطني الكوردي وعلاقته بالائتلاف ، وضمن هذا السياق يمكن توضيح بعض النقاط المتعلقة بهذا الدور ، وكيفية تعامله مع المواقف السياسية والتنظيمية ، لفهم هذه العلاقة التي تبدو اشكالية لدى الكثيرين…؟
أولاً: من نافل القول بأن تيار مستقبل كردستان سوريا ، رغم وجوده ضمن المجلس الوطني الكوردي ، لم يحلّ نفسه ولم يصبح تابعاً لمواقف بعض احزاب المجلس . فللتيار خصوصيته السياسية والتنظيمية ، ويواصل نشاطاته ككيان مستقل ضمن إطار المجلس ، وهذا لا يمنع التيار من تعزيز العمل السياسي والنضالي واظهار آرائه السياسية في القضايا المصيرية او تلك التي يجدها ضرورية .
اذاً ، العلاقة بين التيار والمجلس هي علاقة عمل وتنسيق وتكامل وليست حلّاً او اندماجاً في مؤسساته ، مما يسمح لكل طرف بالحفاظ على خصوصياته السياسية وهويته النضالية ، وفي هذا يركز التيار على الجانب الثقافي والمعرفي دون ان يتخلى عن هويته السياسية أو استقلاليته في اتخاذ المواقف التي يجد انها قد تخدم قضايا الحقوق والمواطن والوطن .
ثانياً: لابد من فهم أن المجلس الوطني الكوردي ليس حزباً سياسيا موحداً او كتلة صماء . بل هو ائتلاف سياسي يضم مجموعة من الأحزاب الكردية وممثلي منظمات المرأة والشباب والفعاليات المستقلة بنسبة 51% ، وهذا الائتلاف يعمل على توحيد الجهود الكردية لتحقيق أهداف سياسية مشتركة ، تخدم في النهاية قضية الشعب الكردي وتطلعاته في سوريا الجديدة . لكن هذا لا يعني أن جميع الأعضاء يتبنون نفس المواقف أو الاستراتيجيات بنفس الطريقة. فلكل حزب أو تيار في المجلس رؤيته الخاصة ، والتي قد تتماشى أو تختلف مع رؤية الأطراف الأخرى داخل المجلس.
ثالثا، المجلس الوطني الكوردي مكون ائتلافي يعكس التنوّع والاختلافات السياسية بين أعضائه ، مما يتيح للتيارات السياسية المختلفة الحفاظ على استقلاليتها ضمن إطار المجلس .
رابعا ، يرتبط المجلس الوطني الكوردي بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من خلال الوثيقة الموقعة بين الطرفين عام 2013 وببعض الاتفاقيات الاخرى التي جاءت في سياقات لاحقة ، والتي تؤكد على التعاون والعمل مع احترام الخصوصية الكردية. هذه الوثيقة أطّرت العلاقة بين الطرفين ضمن إطار التعاون السياسي وأكّدت على أن المجلس الوطني الكوردي يشارك في العملية السياسية بشكل رئيسي ، دون الجانب العسكري او الحكومة المؤقتة التي تبقى ضمن اختصاصات أخرى.
خامساً : يجب الإشارة إلى أن استمرار مشاركة المجلس الوطني الكوردي في الائتلاف الوطني يأتي في سياق مرجعية جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة ، بما في ذلك القرار 2254. هذا القرار أكّد على أهمية العملية السياسية في الوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية ، وعزّز من دور المجلس الوطني الكوردي كطرف سياسي يسعى لتحقيق مصالح الكرد السوريين ضمن إطار الحلول السياسية المتفق عليها دولياً ، مما يحافظ على التوازن بين الطموحات الكردية والإطار الوطني السوري.
سادساً : من الواضح للعيان أن وجود تيار مستقبل كردستان سوريا في المجلس الوطني الكوردي ليس إلغاءً لهويته أو تبعيةً لمواقفه . بل هو خطوة نحو تعزيز دوره السياسي والنضالي ضمن تحالف أوسع ، مع الحفاظ على استقلاليته وخصوصيته السياسية. هذه الاستراتيجية تضمن تحقيق التوازن بين الطموحات الكردية والمصالح الوطنية السورية ، الامر الذي يعزّز من فرص الوصول إلى حلول سياسية مستدامة ومرضية لكافة الأطراف المعنية.
سابعاً : ان وجود تيار مستقبل كردستان سوريا في المجلس الوطني الكوردي، وعلاقة المجلس بالائتلاف الوطني، يأتي في إطار هذه الاعتبارات السياسية والظروف الموضوعية ، مما يعكس التوازن بين العمل المشترك والحفاظ على الخصوصيات الفكرية والسياسية لكل طرف .
ثامناً: هناك من يرى من الكرد السوريين غياب أي دور مؤثّر للمجلس الوطني الكوردي ولتيار مستقبل كردستان سوريا في الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية طالما لا ينعكس اداءهما بشكل ملموس على حياته الأمنية والمعيشية التي تتجه من سيء الى اسوأ ، او مواجهة سلطات الامر الواقع التي بات التوحش والنهب الاقتصادي وتراكم الثروات ديدنها بعيداً عن المنظور العام والاستراتيجي ؟.
تاسعا: نعلم ان هناك حالات خوف وذعر داخلي وبات العمل السياسي محل عدم رضا لدى الكثيرين لأنه لا يجلب سوى الماسي والضرر في ظلّ سلطات قمعية واستبدادية ، نعتقد بانه بات لزاماً على النخب ومن تبقى من الاحزاب السياسية التحرر من الخوف والاقتناع بان طريق الحقوق و الحرية لن يكون سهلاً ، ولا بد من تضحيات وعمل دؤوب لإعادة الناس الى السياسة التي سيكون لها الكلمة الفصل في حسم مالات الصراع ونتائجه الملموسة .
عاشراً : رصد أخطاء الآخرين ، واتهامهم بالتقصير والجبن والفساد هو تهرّب من الواجب ، وتنصّل من المسؤولية ،وتحلّل من كل انتماء ، وتحكّم لأمزجة شخصية أو كيدية …!
حادي عشر : هناك جهات وأشخاص دأبوا على التقليل من شأن تيار مستقبل كردستان سوريا ، والإساءة إليه ، لا بل مهاجمته وتحريض الآخرين عليه وعلى بعض من قياداته باستمرار وانتظام لدوافع غير نزيهة تثير الشك والريبة بعيدا عن النقد الهادف ومعالجة الأخطاء ، وتطوير التيار ، دون الأحكام الجاهزة والمسبقة ، رغم أن التيار لم يتوانى يوما في الدفاع عن قضايا الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية ، وكان بالمرصاد لكل الانتهاكات الحاصلة على الصعيدين الكردي والسوري على حد سواء …!
ثاني عشر : ساهم التيار في الثورة السورية منذ اليوم الأول ، وانخرط في تفاصيلها ، دون أي تردد ، منطلقا من قناعاته الراسخة بأن القضية الكردية في سوريا هي قضية وطنية ، لا يمكن حلها في ظل أنظمة قمعية واستبدادية ، وان الدولة الوطنية الحديثة هي الخيار الأمثل للسوريين ، وهي ضمانة لمستقبلهم ونهضتهم ، وفي هذا نأى التيار بنفسه عن التجاذبات السياسية ، وسعى إلى بناء هوية كردية سورية ، في إطار سوريا ديمقراطية علمانية فيدرالية . أخيراً فإن معرفة التفاصيل فيما يجري ، وفي آلية عمل الاحزاب والقوى ، وادراك التداخل بين المواقف والسياسات ، وكيفية تنظيم وتفاعل اطرافها المختلفة ضمن المشهد السياسي السوري ، ينفي عن هذه الأحزاب صفة التبعية ، ويظهر الى اي حد يمكن المحافظة على خصوصيات كل طرف ضمن إطار الائتلاف أو التحالف أو أي صيغة اخرى من صيغ العمل المشترك .