مرت قرابة أربعين يوماً على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس، فشكلت زلزالاً كبيراً عصف بإسرائيل وبالمنطقة والعالم. لكن مع مرور الأيام لم تعد عملية “طوفان الأقصى” هي الحدث، بل تحول الاجتياح البري الإسرائيلي لشمال قطاع غزة مترافقاً مع الضربات الإسرائيلية المخيفة التي لا تميز بين هدف عسكري وآخر مدني هي الحدث. للوهلة الأولى يمكن القول إن حركة حماس نجحت في العملية، ومع تعاظم أعداد الضحايا من المدنيين الفلسطينيين نتيجة القصف الإسرائيلي، نجحت أيضاً في تحويل الأنظار عن “طوفان الأقصى” التي راح ضحيتها أكثر من 1500 إسرائيلي بينهم أكثرية من المدنيين في مستوطنات غلاف غزة، إضافة إلى احتجاز 340 شخصاً أكثريتهم من المدنيين. ربحت حركة حماس في تحويل مشاعر التعاطف العالمي من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الغزاوي نظراً لضخامة الفظائع التي ينقلها الإعلام العالمي مباشرة على مدار الساعة. من هنا يمكن القول إن حماس سجلت نقاطاً ثمينة في المرمى الإسرائيلي وحاصرت السردية الإسرائيلية في زاوية ضيقة. ويكفي أن نتابع التحركات الشعبية في كبريات العواصم العالمية لكي ندرك حجم الضائقة التي تعانيها إسرائيل. لكن السؤال: هل يكفي هذا لكي نعتبر أن حماس حققت انتصاراً كبيراً أو مديداً على إسرائيل؟ تقديرنا أنه من السابق لأوانه الجزم بذلك. فالمعركة دائرة في الجزء الشمالي لقطاع غزة. وبالرغم من الشجاعة والكفاءة القتالية التي يتمتع بها الفلسطينيون في قتال المدن، والخسائر التي تلحق بالمدرعات الإسرائيلية، فإن مدينة غزة وهي المعقل الأساسي الذي يستند إليه الثقل التنظيمي الحمساوي، وقلب الحكم للقطاع بأسره، تسقط شيئاً فشيئاً. وحرب المستشفيات تكاد تنتهي بإقفال آخرها (مستشفى الشفاء) في غضون فترة زمنية قصيرة. وبالتالي سوف تتسارع عملية إفراغ شمال القطاع من الغالبية الساحقة من سكانه. ويسهل على الإسرائيليين استكمال تدمير أهم معالمها والركائز العملية للإقامة فيها. وفي نهاية الأمر إن لم تجبر إسرائيل على قبول وقف لإطلاق النار فستسقط المدينة بيدها خلال أقل من أسبوعين، وتستمر في محاربة الجيوب المقاومة من ضوضاء إعلامية. وهنا سينتقل الحديث إلى الجزء الجنوبي من القطاع. وتقديرنا أنه يمكن إنقاذ هذا الجزء من مصير مشابه للجزء الشمالي، من خلال مواصلة التفاوض على إطلاق الرهائن والأسرى بالاعتماد على رغبة المجتمع الدولي في إنهاء الحرب عند هذا الحد وعدم تمددها.
لكن مع سقوط نصف قطاع غزة، واستمرار النصف الثاني تحت الحصار والاستهداف العسكري على مدار الساعة. سيحين الوقت للعودة إلى السياسة والدبلوماسية. وستطرح الأسئلة الصعبة على الإسرائيلي وعلى حماس أيضاً. على سبيل المثال ستطرح على الإسرائيلي أسئلة متعلقة بنظرته للمرحلة المقبلة وللحلول السياسية لصراع لم يعد ممكناً تركه لأهواء السياسة الداخلية الإسرائيلية، لا سيما اليمينية المتطرفة الهوجاء. يحتاج الإسرائيليون إلى مخرج من الصراع. وفي المقابل تحتاج حركة حماس للتفكير بجدية في مستقبل بقائها في غزة. هل ستحارب حتى آخر غزاوي للاستمرار في حكم غزة في الوقت الذي نعرف أن ثمة توافقاً دولياً لإنهاء حكم حماس في غزة وإخراجها عسكرياً، كشرط لإقفال فصل عملية “طوفان الأقصى” بالذهاب إلى مسار سياسي صار لا بد منه.
لا يمكن لحركة حماس أن تراهن على التعاطف الشعبي في العالم مع ما يكابده أبناء غزة. وجهة معظم التعاطف هي الشعب الفلسطيني والقضية التاريخية بمعناها الأخلاقي. لا يمكن للحركة أن تراهن على احتضان عربي لها، ولا على استعداد إيراني للمخاطرة بمكاسب استراتيجية لخوض محاولة فرض بقاء حماس في غزة بصيغتها السابقة للسابع من تشرين الأول الماضي.
إذاً نحن نقترب من مرحلة جديدة مختلفة عما سبق، ناتجة من مضاعفات عملية عسكرية كبيرة نجحت في مكان ما لكن بكلفة مهولة. وثمة من يقول إن المستقبل سيكون من دون بنيامين نتنياهو وتوليفته اليمينية من جهة، وحماس من جهة أخرى.