أسعد عبود
من المقرر أن يلتقي الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ اليوم في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية، على هامش قمة “آبيك” للدول المطلة على المحيط الهادئ.
ومن المعلوم أن اللقاء يأتي بعد توتر شهدته العلاقات الأميركية – الصينية منذ اللقاء الذي عقده الرئيسان في منتجع بالي الإندونيسي في مثل هذا الوقت من العام الماضي على هامش قمة مجموعة العشرين. وبعد ذلك، أتت حادثة المنطاد الصيني الذي حلق فوق عدد من الولايات الأميركية قبل أن تسقطه مقاتلة أميركية، ثم أتت زيارة الرئيسة التايوانية تساي إنغ-وين لولاية كاليفورنيا واستقبالها من قبل رئيس مجلس النواب الأميركي السابق كيفن ماكارثي في مكتبة رونالد ريغان.
ردت الصين على ذلك بمزيد من المناورات العسكرية حول تايوان، بينما دفعت أميركا بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى منطقة المحيطين الهادئ والهندي وبتكرار التعهد الدفاع عن الجزيرة في حال تعرضها لهجوم من البر الصيني. كما نشطت الولايات المتحدة على خط إبرام اتفاقات أمنية مع دول آسيوية من الفلبين إلى أستراليا واليابان وفيتنام وجزر صغيرة، من دون نسيان توثيق العلاقات مع الهند وتنشيط تحالف كواد الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.
وفي الأشهر الأخيرة، ضغطت واشنطن من أجل توطيد العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية، بما يخدم المصلحة الأميركية في المواجهة الاستراتيجية مع الصين.
كما عمد بايدن إلى فرض قيود على الشركات التي تزمع الاستثمار في التكنولوجيا العالية الدقة في الصين، فضلاً عن قيود على تصدير أشباه الموصلات إلى بكين. ترافق كل ذلك مع اتهامات أميركية للصين بمساعدة روسيا في حربها في أوكرانيا، وهي اتهامات لم تستطع واشنطن تقديم دليل إلى صحتها، فيما بكين لا تخفي رغبتها في تطوير العلاقات الاقتصادية مع موسكو.
وعلى رغم ذلك، شهد الصيف الماضي عدداً من الزيارات لوزراء أميركيين لبكين، في مقدمهم وزير الخارجية أنطوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت رينو، في خطوات اعتبرت مؤشراً إلى رغبة أميركية في تهدئة التوترات مع ثاني قوة اقتصادية في العالم، فضلاً عن الأخذ في الاعتبار متطلبات الترابط المتزايد بين الاقتصادين الأميركي والصيني.
وشكل هذا أساساً للرغبة المتبادلة في خفض التصعيد وعدم الوصول بالعلاقات إلى نقطة اللاعودة.
تأتي قمة كاليفورنيا وسط ظروف دولية بالغة التعقيد، خصوصاً مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي ظل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية.
ولكل من أميركا والصين وجهتا نظر مختلفتان حيال هاتين الأزمتين. بينما تؤيد أميركا أوكرانيا وإسرائيل وتزودهما بالسلاح والمساعدات المالية، تدعو بكين إلى وقف الحربين، والبدء في عملية تفاوض، سواء بين روسيا وأوكرانيا أو بين الفلسطينيين وإسرائيل.
ومعلوم أن الصين تقدمت بمبادرة للسلام في أوكرانيا لم تلقَ اهتماماً أميركياً، بينما تؤيد بكين وقفاً فورياً للنار في غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات وصولاً إلى حل الدولتين.
ويضاف هذان الاختلافان إلى الخلافات التجارية وتلك المتعلقة ببحر الصين الجنوبي وتايوان.
إلا أن في الإمكان لو توافرت إرادة سياسية أميركية – صينية لمواجهة التحديات الدولية بروح من التعاون، خفض التصعيد في غير منطقة من العالم، وتجنب نشوب حرب باردة جديدة، تنهك الطرفين وتتسبب في خلق بؤر توتر جديدة.
لا يمكن إغفال أن التنافس الأميركي – الصيني هو على أشده، ويبحث الجانبان عن ترسيخ نفوذهما حيث يمكنهما ذلك، من طريق استخدام قواهما الاقتصادية الهائلة. وتبقى منطقة المحيطين الهادئ والهندي، هي الأكثر احتداماً بسبب التعزيزات العسكرية للجانبين، ما يجعل فرص الصدام أكثر احتمالاً.
وعلى ضوء قمة كاليفورنيا يمكن أن تتجه الأمور إلى تنفيس الاحتقان، والبحث عن قواسم مشتركة لخلق عالم أكثر هدوءاً من الحروب إلى الذكاء الاصطناعي والمناخ. ولذلك تشكل القمة فرصة للنزوع نحو تخفيف التوترات.