على رغم مضيّ أكثر من أسبوعين على تحذير الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من أن بلاده ستكون الهدف المقبل لإسرائيل، بعد لبنان وسوريا، إلا أن كلامه هذا لا يزال يثير سجالاً واسعاً، يتراوح بين الهلع والاستهزاء الذي يستبطن نفياً للعداوة مع إسرائيل، وفق ما ذهبت إليه وجوه المعارضة. ولذلك، أراد إردوغان طمأنة الخائفين، بالقول إن تركيا تمتلك من القوة ما يكفي لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها. لكن المعترضين على حديثه، دفعوا البرلمان إلى عقد جلسة سرّية، مطلع الأسبوع الماضي، لتبيان حقيقة ما ورد على لسان رئيس الجمهورية، وما إذا كانت تركيا موجودة فعلاً في دائرة التهديد الإسرائيلي. وشهدت الجلسة التي لم يحضرها إردوغان، تقديم “توضيحات”، وعرضاً لأزمات المنطقة من قِبَل وزيرَي الدفاع ياشار غولر، والخارجية حاقان فيدان.
وعلى رغم سرّيتها، إلا أن زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، أوزغور أوزيل، قال إنه “ليس من جديد فيها”، متهماً إردوغان بأنه يريد حرْف الأنظار عمّا يعانيه المواطنون الأتراك من فقر وبطالة، ومعتبراً أنه “لا يليق بإردوغان أن يتحدث عن تهديد لبلدنا القويّ والعضو في حلف شمال الأطلسي”. كما دعا الرئيس إلى المصالحة مع سوريا، وإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، بدلاً من أن يرسل، عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحذيراً إلى الأسد من مغبّة استقبال أوزيل. في المقابل، ووفي أول تعليق إسرائيلي على كلام إردوغان، زعم الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في اجتماع لمنظمات يهودية – أميركية في القدس، أن “إسرائيل ليست لديها أيّ نوايا وخطط ضدّ تركيا. ونحن نحمل احتراماً كبيراً للشعب التركي الذي يحمل أيضاً تقديراً كبيراً للشعب الإسرائيلي”. وأضاف: “بين الشعبين علاقات تاريخية تعود لسنوات طويلة”.
وفي ردود الفعل الإعلامية، استهجن الكاتب المعارض، محمد علي غولر، كلام إردوغان عن التهديد الإسرائيلي، وهو الذي كان قال قبل شهرين إنه سيدخل إسرائيل كما دخل قبلها إلى ليبيا وقره باغ. ورأى أن “الذي تغيَّر منذ ذلك الحين إلى اليوم، هو حاجات إردوغان الداخلية”، إذ “غالباً ما سخّر هذا الأخير السياسة الخارجية لخدمة مصالحه الداخلية”. ووفقاً للكاتب، فإن “إردوغان يريد حشد الناس حوله وشدّ العصب القومي لهدف واحد هو تعديل الدستور ليتمكّن من الترشح لولاية رابعة، وذلك من خلال حشد أحزاب يمينية كانت معارضة له، من مثل الحزب الجيد، وأيضاً من خلال إطلاق مبادرة انفتاح على الأكراد ليؤيدوه في التعديل الدستوري، من دون اللجوء إلى استفتاء”.
“تخويف إردوغان من إسرائيل يخدم صورة الأخيرة على أنها قوة عظمى لا تقهر في الشرق الأوسط”
وقال غولر إن تخويف إردوغان من إسرائيل يخدم صورة الأخيرة على أنها “قوة عظمى لا تقهر” في الشرق الأوسط، في ما يشكّل “خطأ، لأنه لا قوة لإسرائيل من دون أميركا التي هي التهديد الحقيقي لتركيا. وبهذا الكلام، يعتّم إردوغان على التهديد الحقيقي”، مقترحاً على الرئيس أن “تشكّل تركيا تحالفاً مع الدول المجاورة، ولاسيما ايران، واتخاذ خطوات ضاغطة على أميركا لوقف دعمها لإسرائيل، مثل إغلاق قاعدة إينجيرلك، ورادار كوريجيك، ووقف الدعم اللوجستي التركي للسفن الحربية الأميركية في شرق المتوسط، وأيضاً وقف التحايل في مسألة التجارة مع إسرائيل، كما تصدير النفط إليها”.
وفي صحيفة “غازيتيه دوار”، اعتبر فهيم طاشتكين أن “إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان وراء استعمار جديد، ورئيس جديد ينصّبونه في لبنان، وترتيب هذا البلد بحسب الشيفرات الاستعمارية القديمة: جيش يمكنه السيطرة على الداخل، ولا يمكنه الدفاع ضد إسرائيل، ورئيس جمهورية يتبع محور الولايات المتحدة – السعودية، ورئيس حكومة سني متوافق معه، ورئيس برلمان شيعي لا يسبب أيّ إزعاج؛ أي استحداث معادلة لا يمكن حزب الله أن يكون فيها قوّة حاسمة”. وأضاف الكاتب: “القوات اللبنانية، بقيادة سمير جعجع، تريد أن يخرج حزب الله نهائياً من اللعبة في لبنان. أمّا إقليمياً، فإن السعودية والإمارات تريدان إنهاء حزب الله، وأن يملأ نبيه بري الفراغ، وبالتالي أن يدير ظهره لحزب الله”. وأنهى طاشتكين مقالته، بالقول: “حتى الآن، لا يمكن أن يتم اختيار أيّ رئيس من دون موافقة حزب الله. والمقاتلون في جنوب لبنان ينفّذون وصية السيد حسن نصر الله بقصف إسرائيل وصولاً إلى حيفا لإجلاء المزيد من المستوطنين. وكل الحسابات التي يخطَّط لها، تعتمد على نتائج الميدان”.