سابقاً، صرخ الإنسان، صرخ الشعب وثارت الجموع، انتفض الأهالي وقامت الشوارع، امتلأت المساجد والساحات، تعالت الصيحات وامتزجت الأصوات، تلونت الهتافات وتعدَّدت المطالب. جموعٌ بشرية تأنف الضراعة والمهانة، تسمو للعظمة والكرامة، طماحة لا ترضى بالقناعة، تصبو للعُلا والسَمَاء. بقلب واحد وجسد واحد؛ الشعب يريد إسقاط النظام، هتافٌ جَلْجلَ الأرض وهزّ الجبال.
أما الأن، مشاهد سورية من فرح الشعب، الشعب الذي ناضل من أجل الديمقراطية، الشعب الذي تحمل وصبر على نظام دكتاتوري ترأسه بالبداية الرئيس حافظ الأسد الذي عُرف بالوحش، وصولاً إلى الرئيس بشار الأسد الملقب بالجزار.
مشاهد عربية ودولية مبتهجة من سقوط نظام الأسد وُصفت ببصمة الانتصار الحقيقي على ما سُمِيَ بالديكتاتورية والظلم والإبادة، الأمر الذي عبّر عنه رئيس جمهورية فرنسا إيمانويل ماكرون بقوله:” سقطت دولة الهمجية، أخيراً”.
أما عن لبنان، طاغت مشاهد الفرح والسعادة، من طرابلس التي تكبدت خسائر بشرية ومادية كبيرة من جراء الإقتتال الداخلي بين من دعم النظام السوري ضد المعارض الشرس، إلى حرب المئة يوم في منطفة الأشرفية التي قاوم فيها أبطال النخبة من الجبهة اللبنانية وتنج عنها طرد الجيش السوري من منطقة بيروت الشرقية، وصولاً إلى زحلة التي كانت تعتبر هدفاً تحت المجهر السوري الذي ارتأى إخضاعها تحسّباً لظروف اقليمية غير طبيعية، غير أنه تلقى أكبر الخسائر وأدى إلى إنهزامه وخروجه أيضاً أفقياً من هذه المعركة.
وبالأكثر، لا بد من ذكر التدخل السوري في السياسة اللبنانية وما نتج منه عن إغتيالات لشخصيات ورؤساء بارزة، أهمها الرئيس الشهيد رفيق الحريري والسياسي سمير قصير والمناضل الإعلامي جبران تويني ووسام الحسن وفرنسوا الحج، لائحة طويلة تُجًسِد أفعال نظام الأسد الدموي.
أمور وأحداث كثيرة عالمية وعربية تؤكد كره وحقد معظم الأمم لنظام الأسد الذي سقط، فمن حق كل من عانى منه أن يفرح وتعُم السعادة. أما عن سوريا فهي بأمس الحاجة إلى تغيير النظام من الهيكل الأساسي إلى التفاصيل الصغيرة.
رحل الأسد بطريقة أقل ما يقال عنها بالمذلة، وسقطت كل الحسابات الخاطئة والشعارات الشعوبية من فلسطين إلى لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق، تدحرُج محور المقاومة هذا سينتج عنه إستنهاض شرق أوسط جديد لم يتحقق بعد، مماثل لدولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن.
يبقى الخوف من إنزلاق الوضع الأمني اللبناني مع إعادة تموضع المنظمات والخلايا الإرهابية وإستعادة الفتن والصراعات الداخلية إن لم يعزز الجيش اللبناني والقوى الأمنية قدراتهم ويفرضان الأمن بيد من حديد.
في النهاية، وبعد خمسين عاماً على النظام الأسدي، تطابقت معارضة الشعب السوري ومطالبته بدولة ديمقراطية سيادية كالثائر الذي لا يفنى والثورة التي لا تموت، وخلاصة القول، إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.