فرح السوريين بالتخلص من السلطة الساقطة، هو من جهة رد فعل طبيعي على سياسات تلك السلطة على مدى عقود وخصوصاً متلازمة القمع والفساد التي شوّهت كل جوانب حياة السوريين واذلتهم، ومن جهة أخرى هو تعبير عن أملهم بالخروج من دوامة حرب عبثية أنهكت كل عناصر البنية الوطنية، وعليه، من المفروض ان تكون المهمة الأساسية اللاحقة امام أي نظام سياسي هو وضع الأسس الكفيلة بتجاوز نتائج كل ذلك.
من الناحية الافتراضية أمام سوريا أربعة خيارات في اللحظ الراهنة:
أولاً: استئثار (قيادة العمليات العسكرية) بالسلطة، ولعب دور (الحزب القائد) الجديد، و(الشرعية الثورية) واحتكار ادارة الازمة.
ثانياً: تجدد الأعمال العسكرية بين القوى العسكرية المختلفة، وتثبيت سلطات الأمر الواقع بما يعنيه التقسيم.
ثالثاً: نظام محاصصة من خلال إحياء كل البنى التقليدية، دينية – قومية – قبلية.. بما يعنيه من دولة هشة تتجدد أزمتها في كل منعطف، ويتقاسم نخبها السلطة والثروة، ويتسابقون على نيل رضى القوى الإقليمية والدولية، لتعزيز مواقعهم..وتعاني الاغلبية الشعبية من مآس قديمة متجددة، نظام نجد نجد تجربته بالملموس في لبنان والعراق…
رابعاً: تطبيق القرار الدولي 2254 ومشاركة كل السوريين في مستقبل بلادهم على أساس الحوار و دستور جديد وانتخابات حرة نزيهة.
الخيارات الثلاثة الاولى هي من الناحية العملية خيار واحد، أو على الاقل متخادمة فيما بينها كل منها يؤدي الى الاخرى، ومعناها الوحيد اعادة انتاج الأزمة بأشكال جديدة، وإن اختلفت شكلاً.. فالاستئثار والاحتكار بما يعنيه إخضاع أو اقصاء الآخرين، في ظل وجود قوى عسكرية متعددة، ورؤوس حامية لدى الكل، بالاضافة الى وجود جيوش خمس دول رسمياً، ناهيك عن المخفي منها، يفتح الطريق أمام تجدد الأعمال القتالية التي رأينا تجاربها الأولى في منبج ودير الزور..
في ظل المشاعر المتناقضة التي تنتاب ملايين السوريين، مشاعر الفرح بسقوط السلطة، ومشاعر الترقب والحذر من الآتي، والاسئلة الكثيرة التي تفرض نفسها على الجميع، وفي ظل وضع دولي مضطرب وقلق، تتغير فيه التحالفات أكثر مما يتوقع كثيرين، يبقى الدعوة والضغط باتجاه تنفيذ القرار الدولي 2254 الخيار الأنسب، فهو من جهة يراعي هواجس كل السوريين وينص على تمثيل الجميع، وهو محل إجماع دولي، ويحيّد دور القوى الدولية، وتقوم بنيته على التوافق وتقديم التنازلات المتبادلة من كل الأطراف وهذا ما يحتاجه السوريين بالضبط الآن، وهو ما يعني الخروج من حقل الالغام، ومن دوامة التجاذب الدولي والاقليمي ومن هنا فان تجميع حوامل هذا الرأي في مختلف المواقع والخنادق هي المهمة الملحة الأولى على جدول الأعمال.. وهو السبيل (ربما الوحيد) في العودة الى استحقاق التغيير الجذري والشامل والحقيقي، الأمر الذي عبرت عنه شعارات الحركة الاحتجاجية عند انطلاقتها ( الشعب السوري ما بينذل) (.. الشعب السوري واحد) وبالتالي هو وفاء لدماء كل ضحايا الحركة الاحتجاجية ممن عانوا في معتقلات وسجون السلطة، وهو وفاء لملايين المهجرين والنازحين وهو وفاء لكل ضحايا الازمة في كل المواقع…