يشهد العراق تحديات متصاعدة نتيجة تغيرات إقليمية ودولية تهدد استقراره الداخلي، خاصة مع الأوضاع الأمنية في سوريا وعودة النشاط الإرهابي. نجحت القوات العراقية، بالتعاون مع التحالف الدولي، في تحقيق إنجازات أمنية بارزة، منها الغارة المشتركة التي أسفرت عن مقتل 15 عنصراً من تنظيم داعش غرب العراق، وعملية “وثبة الأسود” التي استهدفت قيادات التنظيم في صحراء الأنبار، وأسفرت عن مقتل 14 قيادياً بارزاً، بينهم نائب والي العراق، ووالي الأنبار، وأمير التصنيع والملف الكيميائي، لكن هذه العمليات تؤكد أن خطر داعش لم ينتهِ، بل يسعى التنظيم لإعادة تشكيل صفوفه.
في سوريا، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) أنها نفذت ضربة جوية دقيقة في 19 كانون الاول استهدفت “أبو يوسف”، زعيم تنظيم داعش في سوريا، المعروف باسم محمود، في محافظة دير الزور. الضربة أسفرت عن مقتل أبو يوسف وأحد مساعديه، في منطقة كانت خاضعة سابقاً لسيطرة النظام السوري والقوات الروسية. القيادة المركزية الأميركية أوضحت أن هذه الضربة تأتي ضمن الجهود المستمرة لتعطيل عمليات داعش وإضعاف قدرته على التخطيط وتنفيذ هجمات ضد المدنيين والمصالح الأميركية والدولية. كما أشارت إلى مخاوف من أن التنظيم يسعى لتحرير أكثر من 8000 عنصر محتجزين في سوريا، مما قد يشكل تهديداً خطيراً للعراق والمنطقة.
في ظل هذه التطورات، ظهرت تسريبات عن احتمال طلب العراق تمديد وجود التحالف الدولي لضمان استمرار الدعم الأمني والاستخباراتي لمواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية المتزايدة. هذا الموقف يعكس قلق الحكومة العراقية من تزايد النشاط الإرهابي على الحدود، خاصة مع تصاعد التوترات في سوريا التي توفر بيئة مناسبة لداعش لإعادة ترتيب صفوفه.
القلق العراقي يتزامن مع أحاديث في الصالونات الإعلامية والسياسية عن ضغوط أميركية على الحكومة العراقية لحل الحشد الشعبي. تأسس الحشد الشعبي في وقت حرج لمحاربة الإرهاب والدفاع عن الدولة العراقية، وأي خطوة لحله قد تزيد من هشاشة الوضع الأمني، خصوصاً في ظل الحاجة الماسة لهذه القوة لدعم جهود العراق في حماية حدوده ومواجهة التحديات الداخلية.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني المرتقبة إلى إيران كجزء من الجهود الرامية لمعالجة هذه التحديات الأمنية. تعد هذه الزيارة فرصة لمناقشة ملف الفصائل المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة، حيث يمثل ضبط سلاحها وحصره بيد الدولة هدفاً أساسياً لضمان أمن واستقرار العراق. الحكومة العراقية تدرك أهمية التنسيق مع الجانب الإيراني للضغط على الفصائل المسلحة الموالية لطهران لتسهيل دمجها ضمن الإطار الرسمي للدولة، ما يسهم في تقوية سلطة الحكومة المركزية وضمان استقرار العراق في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
في هذا السياق، يبرز دور الحكومة العراقية في تعزيز قدراتها الأمنية من خلال العمليات النوعية وتطوير وسائل المراقبة الحدودية بالتعاون مع التحالف الدولي، مع التركيز على ضبط الحدود الممتدة مع سوريا لمنع تسلل العناصر الإرهابية. كما تواجه الحكومة تحدياً كبيراً لتحقيق التوازن بين الضغوط الدولية ومصالحها الوطنية، حيث يجب تعزيز التنسيق الإقليمي مع دول الجوار، خاصة تركيا والأردن، لضمان استقرار الحدود ومواجهة الإرهاب.
المشهد العراقي اليوم معقد ومتشابك بين نجاحات أمنية ملموسة وضغوط سياسية متزايدة. العمليات النوعية، مثل مقتل والي العراق في داعش مع 8 من كبار قادته في تشرين الأول الماضي، ومقتل زعيم التنظيم في دير الزور، تعكس جدية الجهود العراقية والدولية في مواجهة الإرهاب. ومع ذلك، فإن استمرار خطر التنظيمات الإرهابية والضغوط السياسية المتعلقة بالحشد الشعبي والفصائل المسلحة يضع العراق أمام تحديات كبيرة تتطلب إدارة حكيمة لضمان أمنه واستقراره في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.