الفصل الثاني من الحدث المفصلي الذي بدأ يعيشه لبنان مع انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، استكمل اليوم بفوز مدوٍّ لنواف سلام، القاضي الدولي والسفير السابق، بالتكليف بتأليف أولى حكومات العهد الجديد بـ84 صوتاً مقابل 9 أصوات لميقاتي و35صوتاً “لا تسمية”. هو فوز مدوٍّ ومفاجئ عكس قوة الموجة التي يشهدها لبنان وتجسّدت في استعادة مشهد انتخاب الرئيس عون على نحو أشد تعبيراً مع انضمام معظم الكتل والقوى والنواب إلى تأييد وصول سلام إلى السرايا.
وأعلن المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير أنّ رئيس الجمهورية جوزف عون كلّف القاضي نواف سلام تشكيلة حكومة العهد الجديدة.
والكتل التي صوّتت لنواف سلام هي: كتلة “الجمهورية القوية”، كتلة “اللقاء الديمقراطي”، تكتل “لبنان القوي”، تكتل “الاعتدال الوطني”، “الكتائب”، كتلة التحالف والتغيير، كتلة التوافق الوطني، كتلة التجدد، كتلة مشروع وطن لإنسان، النائب عماد الحوت، نواب التغيير ونواب مستقلون.
اقرأ أيضاً: الجولة الثانية من الاستشارات النيابية الملزمة في لبنان لتكليف رئيس للحكومة الجديدة… “النهار” في تغطية مستمرّة
ميقاتي
صدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي البيان الاتي: “مع صدور نتائج الاستشارات النيابية التي اجراها فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع السادة النواب، فإنني أجريت اتصالا برئيس الحكومة المكلّف الدكتور نواف سلام الموجود في لاهاي، وتمنيت له التوفيق في مهمته الجديدة بتشكيل حكومة تتلاقى مع المبادئ والاسس التي حددها فخامة الرئيس في خطاب القسم وتواكب تطلعات اللبنانيين التواقين الى استكمال مسيرة بناء الدولة وتعزيز سلطتها على كل الاراضي اللبنانية”.
وقال ميقاتي: “كما عملت حكومتنا رغم هذه الظروف الصعبة على تسيير امور الدولة وتأمين استمراريتها وسير عمل مؤسساتها.
كان قدري أن أقود هذا الوطن في أصعب أوقاته، عندما تردد الكثيرون في تحمل المسؤولية”.
وأضاف: “إلى شعبنا العزيز، أقدم أعمق مشاعر الامتنان. لقد كنتم دائمًا مصدر إلهامي وقوتي في كل خطوة اتخذتها. إرادتكم وإيمانكم بلبنان هو ما يجعلني واثقاً بمستقبلنا المشترك.
اعتمدت طوال الفترة التي توليت فيها رئاسة الحكومة نهج الوسطية الذي انتهجته طوال حياتي السياسية لقناعتي التامة بأن هذا البلد لا يحكم الا بالاعتدال والتوافق، بعيدا عن الاقصاء والتشفي .وقد اثبتت كل التجارب الماضية أن لا بديل عن التوافق، وان نهج التحدي ادى الى اضاعة الكثير من الفرص الانقاذية. وكلي أمل ان تكون المرحلة الجديدة انقاذية بكل معنى الكلمة وان تحمل للبنانيين الخير والسلام وراحة البال.
صحيح أن التحديات التي تواجهنا كبيرة، لكن إرادة شعبنا أقوى، ووحدتنا وقدرتنا على الصمود هما خلاصنا. كما تجاوزنا الحروب والأزمات معًا، سننهض معًا من جديد”.
متى يصل سلام الى بيروت؟
بعد حصول رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام على 84 صوتاً مقابل 9 أصوات لميقاتي و35 صوتاً “لا تسمية”، وإعلان المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير أنّ رئيس الجمهورية جوزف عون كلّف القاضي نواف سلام تشكيلة حكومة العهد الجديدة، من المتوقع أن
يغادر سلام امستردام بعد ساعتين ليعود الى بيروت ليلا عن طريق اسطنبول ويكون صباحا في العاصمة اللبنانية.
تكليف سلام
وحملت نتائج التسمية دلالات سياسية بالغة مع تكليف سلام بما يرمز إلى تعديل موازين القوى الداخلية، والإتيان بشخصية مرموقة على المستويين المحلي والدولي، معروفة بنزاهتها وخبراتها القانونية والأكاديمية والديبلوماسية إلى السرايا الحكومية. وهي الشخصية التي تحمل نفحات تغييرية وإصلاحية، وتحمل شعبية في أوساط الشباب والنخب.
ورأت أوساط كتلتي “الوفاء للمقاومة” و”التنمية والتحرير” في مجريات انسحاب النائب فؤاد مخزومي وتسمية القاضي سلام، “انقلاباً” على ما لمّحوا إلى أنه “اتفاق مسبق” جرى قبل الموافقة على انتخاب عون، بالتوافق على اسم رئيس الحكومة، وهو ما أثار المخاوف من إمكان تفجير أزمة حكومية مبكرة. وقال رئيس الكتلة محمد رعد بعد لقاء الكتلة رئيس الجمهورية: “من حقهم أن يجرّبوا ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية”.
بعدما طلبت تأجيل موعدها إلى يوم غد للمزيد من التشاور، لم تسمّ كتلة “الوفاء للمقاومة” أيّ مرشح لرئاسة وتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.
وفي تصريح بعد لقائه الرئيس جوزف عون، قال النائب محمد رعد من قصر بعبدا: “يكمن البعض من أجل التفكيك والتقسيم والشرذمة والإلغاء تعنّتاً وكيدية”.
وأضاف: “خطونا خطوة إيجابية عند انتخاب رئيس الجمهورية وكنا نأمل أن نلاقي اليد التي طالما تغنّت بأنها ممدودة”.
وتابع: “من حقهم أن يعيشوا تجربتهم، ومن حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية ونمضي بكل هدوء وحكمة حرصاً على المصلحة الوطنية”.
وختم: “سنرى أفعالهم من أجل إخراج المحتل من كل شبر من أرضنا واستعادة الأسرى وإعادة الإعمار والتنفيذ الصحيح للـ1701”.
وترافقت التطورات مع تسريب سعودي بأن لا كلمة سر سعودية لدعم أيّ من المرشحين عكس ما أشيع عن اتفاق يقضي بأن يتولى ميقاتي المرحلة الانتقالية حتى الانتخابات النيابية.
وعلمت “النهار” أن “التيار الوطني الحر” الذي أجرى نقاشات طويلة مع موفدين من قبل الرئيس ميقاتي، من بينهم نجله ماهر، لم تصل إلى نتيجة إيجابية، لكنه لم يقفل الباب أمام اعتماده الورقة البيضاء وليس تسمية مرشح معين، إلّا أنه بعد إبلاغه النائب فؤاد مخزومي بعدم السير بتسميته، اتصل باسيل بنواف سلام عند الساعة التاسعة صباحاً وأبلغه استعداد التيار لدعمه.
أما من جانب الحزب التقدمي الاشتراكي، فمن المعلوم أن النائب تيمور جنبلاط كان من مؤيّدي القاضي سلام، ولكن بعد ترشيحات المعارضة والتغييريين والتشرذم الذي ساد نهار السبت، اتخذ قراراً بتسمية ميقاتي، ومع التطورات التي حدثت مساء الأحد والاتصالات الواسعة التي أجريت وأظهرت إمكانية وصول سلام علّق “اللقاء الديموقراطي” التسمية الرسمية بانتظار المشاورات.
وصباح الاثنين، وضع جنبلاط شرطاً بأنه لن يذهب بالتسمية إن كانت لا تؤدي إلى فوز سلام، واستمر على هذا الأمر حتى ظهر الاثنين ليعلن تبنّي سلام بعد تأكد تسمية “التيار الوطني الحر” وضمان الفوز ليعلن تبنّيه وتُحسم النتيجة.
ويمكن اعتبار كل ما أتى بعد تسمية الاشتراكي والتيار الوطني التحاقاً بالقافلة، فمواقف “تكتل الاعتدال الوطني” و”كتلة التوافق الوطني” وكتلة الطاشناق كانت جميعها تؤيّد ميقاتي وانقلبت بعد حسم النتيجة.
من جهة أخرىلفت النائب جبران باسيل إلى أنّه “فور صدور نتيجة الانتخابات هنّأنا فخامة الرئيس واليوم أبلغناه أنّ موقعنا الطبيعيّ هو إلى جانب العهد داعمين لرئيس الجمهوريّة، وهذا موقف “التيّار الوطنيّ الحرّ” البديهيّ، ولأننا رأينا في خطاب القسم ما يشبهنا ونريد تطبيقه لذلك اخترنا نوّاف سلام، لأننا نرى فيه استكمالاً للتعاون مع رئيس الجمهورية. ولم نعلن ذلك قبل وصولنا إلى هنا من أجل أن نتشاور مع فخامة الرئيس ولنعبّر له أنّ خيارنا يأتي في هذا السياق”.
وقال من قصر بعبدا خلال الاستشارات النيابية الملزمة “اللبنانيون رأوا أملاً بمستقبل أفضل، ولذلك أيّ شيء يردّنا إلى الماضي يشكّل نكسة للعهد ولا يدعم انطلاقته”.
وأكّد باسيل: “خيار تسمية سلام ليس صدامياً بل نتفاهم عليه لتغيير الأوضاع في لبنان، ولذلك لا نقبل بأن نكون في موقع كأنّنا نتحدّى أحداً، وسنحاول جمع الجميع وهدفنا التعاون والتلاقي لما فيه خير البلد”.
وتابع: “نحن اليوم يجب أن نعتاد على أنّ التيار في موقع مستقلّ لا حلفاء لديه ولا أعداء بل نحاول الاتّفاق لما فيه الخير”.
وقال: “اليوم ترون أوّل عمل لنا وترون كيف نتعاطى بإيجابية ويجب ألّا نخلق سوابق في دستورنا ولا ممارستنا الديموقراطية بخلق مشاكل لسنا في حاجة إليها، ونعتبر أنفسنا ضمانةَ عدم كسر أحد أو عزله وهذا سنظهره بالممارسة، لا أحد يفكّر بأن يضغط علينا، ومن غير المفترض أن نُدخل البلد في مشكل نحن في غنى عنه في الوقت الذي نحن قادرون فيه على أن نكون ضمانة بعضنا لبعض، وهذه الطريقة بالتحدّي لا توصل إلى أيّ مكان”.