تكمن أهمية القانون المتعلّق بتفسير القرآن، والذي نُشر، أول من أمس، في الجريدة الرسمية التركية، في أنه يسمح لرئاسة الشؤون الدينية (ديانت) فقط، وهي أعلى سلطة دينية في البلاد، بقبول أي شكاوى بخصوص ترجمات أو تفسيرات أو شروحات تطال القرآن، وإحالتها إلى لجنة خاصة تابعة لها لتبتّ فيها، ووقف ومصادرة وإتلاف ومنع أيّ نص أو كتاب تعتقد أن تفسيره يتعارض مع «التفسير الصحيح» للنص القرآني. وكان القانون قد مرّ في البرلمان قبل أسبوعين بدعم نواب حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، ليفتح، بحسب البعض، الطريق واسعاً أمام دكتاتورية دينية جديدة تمنع أي تفسيرات تتعارض مع التوجه الفكري للمذهب السائد في تركيا، أي المذهب الحنفي، وهذا ما يشكل تهديداً كبيراً وخطيراً للحريات الدينية والفكرية في البلاد، ربما لم يسبق لبلد مسلم آخر أن عايشه، فكيف ببلد العلمانية الأول في العالم الإسلامي ومنذ أكثر من مئة عام؟
بموجب القانون، يمكن وقف نشر أو طبع ما يُعتبر «مقلقاً» بالنسبة إلى التفسير الديني للقرآن، في حين سيتم منع حرية البحث عن هذه «المواد الممنوعة» في الإنترنت. كما يتيح النص لـ«ديانت» أن تقدّم «الاستشارات» الضرورية الروحية والمعنوية للشباب والشابات، في المجمعات السكنية الجامعية، والمخيمات الشبابية، والمؤسسات الصحية، ومؤسسات الخدمات الاجتماعية، كما للمهاجرين وذوي الإعاقة والمدمنين وضحايا الكوارث. وفي تعليقها على تمريره، رأت الهيئة المذكورة أن القانون ضروري لمنع التفسيرات المخالفة لـ«القواعد الأساسية» للإسلام، مدافعةً، في بيان، بأن اعتبار الخطوة «رقابة على الحرية الفكرية هو مجرد افتراء»، مضيفة أنها لا تهدف إلى «قمع الآراء الدينية المختلفة أو التفسيرات المذهبية أو فرض أفكار معينة، بل فهم القرآن على حقيقته ومن دون تحريف لمن لا يعرف لغة القرآن الأصلية أي اللغة العربية».
ووُوجه القانون بمروحة واسعة من الانتقادات والاعتراضات، جاء أبرزها من نائب رئيس حزب «المستقبل» الذي يرأسه أحمد داود أوغلو، سلجوق أوزداغ، الذي قال إن «القانون جزء من إنشاء دين جديد للسلطة، وإن الموجودين في السلطة قرّروا أن يخلّدهم التاريخ كحكومة تحرق تفسيرات القرآن الكريم». وأضاف «أننا أمام سلطة تتجاهل تدقيقات ديوان المحاسبة والكشف عن نفقات الحج والعمرة»، متابعاً أن «القانون يمنع التفسيرات التي تتناقض مع مبادئ الإسلام الأساسية. ولكن هل يقولون ما هي المبادئ الأساسية للإسلام في رأيهم؟». وخاطب أركان السلطة بالقول: «سابقاً كانت هناك جماعات دينية تصنّف على أنها مقرّبة من الحكومة ومحترمة جداً (يقصد جماعة فتح الله غولين) ثم صنّفتموها على أنها إرهابية. واليوم تصنّفون جماعات على أنها محترمة، وغداً تقولون إنها خائنة»، معتبراً أن «ما جرى هو تحوّل سياسي وليس مجرّد قائمة فنية تتعلّق بالنصوص الدينية، تماماً مثل قانون الإنترنت حيث تغلّف القوانين بعبارات غامضة. الأمر الآن يتعلّق بإنشاء دين جديد قائم على الفرض والقوة».
ورأى الكاتب العلماني المعتدل، طه آقيول، بدوره، في صحيفة «قرار»، أن الأمر يتطلب شجاعة من «ديانت» لاعتبار كتاب ما «مثيراً للقلق» في إطار الحرية الدينية والفكرية، متسائلاً «عما إذا كانت دوافع النواب الذين صوّتوا مع المشروع ناتجة من الدفاع عن الدين أم عن الانضباط الحزبي. في النهاية، هناك قيد إضافي على حرية الفكر والتعبير. وكما قال محمد إقبال: هناك عقبة أمام إعادة تشكّل الفكر الديني في الإسلام». وتساءل الكاتب: «كيف يمكن لعالم دين لديه معرفة كافية باللغة والدين لكتابة تفسير للقرآن أن تُفرض عليه رقابة؟ هذا القانون هو محاولة جديدة للذهنية نفسها التي فرضت منع تدريس تاريخ الفلسفة والمذاهب في كليات الإلهيات عام 2013». وأشار إلى أن «ديانت هي المؤسسة الأعلى في مجال الخدمات الدينية ولكنها ليست الأعلى في مجال العلم»، مضيفاً أنه «سواء أكانت الأفكار دينية أم سياسية أم فلسفية، فإن إخضاعها لرقابة مسبقة من هيئة رسمية يجمّد الحياة الفكرية». ولفت إلى أن «المؤرخ التركي الراحل، إسماعيل جراح أوغلو، يشير في كتابه تاريخ التفسير إلى أن أكثر من تفسير فلسفي وفقهي وروائي وديني وعلمي قد صدرت في التاريخ الإسلامي، فأياً منها نعتمد وقد تباينت تفسيراتها؟»، معتبراً أن «التفسيرات تُكتب لتلبية حاجات العصر»، مشدداً على أن «الرقابة خطأ مطلق».
ومن جهته، كتب مصطفى قره علي أوغلو أن «القانون الذي صدر أمر محزن. ولم يخطر في بال أحد أن يصدر قانون كهذا»، مضيفاً أن «هناك سوابق في التاريخ الإسلامي لكنها عادت إلينا في القرن الحادي والعشرين». وأشار إلى أنه «في وقت تتجاوز طرق التواصل فيه الآفاق وتتدفّق المعلومات كالزئبق، تأتي غطرسة فكرة السيطرة على الكتاب»، متابعاً أن الأغرب أن «هناك من يعتقد أن مجرّد صدور مثل هذا القانون سيقضي على فكرة الحرية والتفسير وسيمنع التجرؤ على أي تفسير خارج نطاق تفسير الدولة. إنه أمر عجب أن تكون الدولة هي الأدرى بما يقصده الله، والأعلم بما لم يخطر في بال العلماء». وأما يوسف ضياء جومرت، فرأى أن «القانون الجديد يقيّد الفكر وحرية التعبير وحرية المعرفة. وهو نوع من فرض وحدانية مذهب معين»، متهكماً بأنه «تجب إضافة جملة إلى شعار رابعة (الذي يرفعه الرئيس رجب طيب إردوغان بأصابع يديه الأربعة): وطن واحد، علم واحد، دولة واحدة، أمة واحدة، و… مذهب واحد».
—
إنسرت:
يرى البعض أن القانون يفتح الطريق واسعاً أمام دكتاتورية دينية جديد