التاريخ يعلمنا أن الانتخابات هي الخطوة الأولى لإعادة بناء الدول بعد الحروب والكوارث. بعد الحرب العالمية الثانية، أجرت دول مثل اليابان، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا انتخابات حرة رغم الظروف الصعبة. الانتخابات كانت هي السبيل الوحيد لاستعادة الشرعية، بناء الديمقراطية، وتجاوز الظلام الذي عاشته هذه الدول.
وفي أسبانيا والبرتغال، شهدت الدولتان انتقالًا ديمقراطيًا بعد أن عاشتا عقودًا من الأنظمة الديكتاتورية. في أسبانيا، بعد وفاة فرانكو في عام 1975، أُجريت انتخابات حرة عام 1977، رغم التحديات الكبيرة. وفي البرتغال، بعد الثورة البرتغالية في 1974، أُجريت انتخابات فورًا، ما مهد الطريق لإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية بعد فترة حكم استبدادي طويل.
هذه التجارب تثبت أن الانتخابات يمكن أن تكون أداة قوية لإعادة بناء الدول، حتى في أصعب الظروف. في سوريا، يمكننا أن نتعلم من هذه التجارب. تبريرات تأجيل الانتخابات بحجة غياب البنية التحتية أو مشاكل التسجيل السكاني هي حجج واهية تهدف إلى الحفاظ على السلطة القائمة. الانتخابات لا تحتاج إلى موارد ضخمة؛ ما تحتاجه هو الإرادة والقرار السياسي. دستور 1950، الذي تم إيقافه بقانون الطوارئ من قبل سلطة انقلابية، يوفر الإطار القانوني المثالي لإجراء انتخابات حرة وعادلة. هذا الدستور كان موضع توافق بين جميع الأطراف وقتها، وهو ساري المفعول اليوم.
لكن ما يهدد مستقبل سوريا أكثر هو تكريس النظام السلفي القائم لقوانين شريعة تهمش الأغلبية المعتدلة من السوريين. فرض هذه القوانين يعني إلغاء التنوع السوري، وتقويض حقوق الإنسان. سوريا بحاجة إلى انتخاب ممثلين يعكسون إرادة شعبها، وليس سلطة تفرض عليها قوانين لا تلائمها.
وأي ديمقراطية، مهما كانت سيئة، تظل أفضل من أي نظام استبدادي مهما كان جيدًا. حتى لو كانت الديمقراطية مليئة بالمشاكل، فهي تظل الطريق الأفضل نحو الحرية والمشاركة الشعبية في صنع القرار. النظام الاستبدادي مهما حاول أن يكون “جيدًا” في الظاهر، فإنه لا يمثل إرادة الشعب، ويعيده دائمًا إلى دوامة القمع والفساد.
اليوم، يجب أن يرفع السوريون شعار “الشعب يريد إجراء الانتخابات”. هذه الانتخابات هي المدخل لإعادة بناء الدولة وإصلاحها على أسس ديمقراطية. تجارب الدول التي خرجت من الحروب تُثبت أن الانتخابات ممكنة حتى في أصعب الظروف. وإذا تمكّنوا من ذلك، فلا شيء يمنع السوريين من فعل الشيء نفسه.
الانتخابات ليست مجرد استحقاق سياسي، بل هي الفرصة الوحيدة لإعادة القرار إلى الشعب، لبناء دولة ديمقراطية تُمثل جميع السوريين. علينا أن نُصر على تنظيم انتخابات حرة الآن، قبل أن يصبح بلدنا مرتعًا للفساد والاستبداد. إجراء الانتخابات هو الحل الوحيد للحرية والعدالة، ولن يكون هناك وقت أفضل من الآن.