تمثل المشاريع التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سيطرة بلاده على قطاع غزة ونقل سكانه ضربا من الخيال غير قابل للتحقيق في الوقت الراهن، بقدر ما يثير سيلا من المعارضة.

وتأتي هذه التصريحات بعد أخرى أطلقها الرئيس الأميركي منذ تنصيبه تتعلق بضم قناة بنما وغرينلاند وحتى جعل كندا الولاية الأميركية الحادية والخمسين و نقل “المجرمين المتهم بأعمال عنيفة” في السجون الأميركية إلى السلفادور لقضاء عقوبتهم.

ويواجه اقتراحه بشأن غزة، كما هي الحال مع المقترحات الأخرى، العديد من العقبات.

تشبث الغزيين بأرضهم
إن هذا المشروع لا يأخذ في الاعتبار مدى تعلق الفلسطينيين بأرضهم، كما تبين مع عودة نصف مليون نازح جراء الحرب بين إسرائيل وحماس إلى شمال قطاع غزة فور الاعلان عن وقف إطلاق النار. وجرى ذلك على الرغم من أن المنطقة تحولت إلى ركام.

وقال السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور: “وطننا هو وطننا”.

 

وأضاف متوجها لأولئك الذين يريدون إرسال الفلسطينيين: “إلى مكان سعيد وجميل، دعوهم يعودون إلى منازلهم الأصلية داخل إسرائيل، يوجد هناك أماكن جميلة، وسيكونون مسرورين بالعودة إليها”.

 

معارضة عربية
وخلافا لما يعتقده ترامب، يلقى مقترحه معارضة عربية. فمنذ السبت، رفض وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر السبت أي “مساس بالحقوق غير القابلة للتصرف” للفلسطينيين.

 

ودعت القاهرة الأربعاء إلى إعادة إعمار غزة بشكل سريع دون تهجير سكانها، وبالمثل أكد العاهل الأردني على رفض التهجير.

وقالت إميلي هاردينغ من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن “توقعوا أن تنتقل ردود الفعل من الارتباك إلى الاستنكار، مع تظاهرات في جميع انحاء الشرق الأوسط وخارجه في الأيام المقبلة”.

 

التاريخ الأميركي
المشروع الذي أطلقه الرئيس الأميركي الثلاثاء، يتضمن إرسال جنود أميركيين إلى غزة، في أول خرق لوعوده الانتخابية.

ومعارضة حماس الشديدة أمر مسلم به بالتأكيد، فعلى الرغم من اضعاف الحركة الفلسطينية جراء 15 شهرا من الحرب، إلا أن الهدف الذي حدده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالقضاء عليها لم يتحقق.

ستكون حماس وحليفتها حركة الجهاد الإسلامي قادرتين على خوض حرب عصابات عنيفة لم تتمكن أية قوة من قهرها منذ الحرب العالمية الثانية.

ولا تزال المستنقعات التاريخية التي غرقت فيها الولايات المتحدة على التوالي في فيتنام وأفغانستان والعراق، راسخة في الذاكرة الأميركية.

وأشار دبلوماسي أوروبي في القدس إلى أن مقترح ترامب “يتناقض مع فكرته “أميركا أولا” مضيفا “لكنه يعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام، وإن هذه ليست حربا وليست أفغانستان وليست العراق. وهو يظن حقا أنه سيتمكن من اقناعهم … وهذا هو الأمر المقلق للغاية”.

 

القانون الدولي
انتهك ترامب العديد من المحرمات في القانون الدولي الموروثة من فترة ما بعد الحرب، والتي راعتها واشنطن في العقود الأخيرة، أقلها في الأقوال.

ورأى تامر موريس، خبير القانون الدولي في جامعة سيدني في أستراليا، أن الولايات المتحدة لا تستطيع السيطرة على غزة إلا بموافقة إسرائيل، التي “لا تستطيع التنازل عن غزة للولايات المتحدة”.

وأضاف على موقع “ذا كونفرسيشن” أن حتى السلطة الفلسطينية “لا تستطيع أن تمنح هذه الموافقة باسم شعب لديه الحق في تقرير مصيره”.

واشار إلى أن الخطاب في حد ذاته خطير، موضحا “أن الطريقة المرتجلة التي يطرح من خلالها ترامب أمورا مثل السيطرة على الأراضي ونقل السكان توحي بأن هذه القواعد يمكن خرقها بسهولة”.

ذكّرت الأمم المتحدة الأربعاء بأن القانون الدولي يحظر بشدة أي نقل قسري أو ترحيل للسكان من الأراضي المحتلة.

 

 

حذر في إسرائيل
لزمت الطبقة السياسية الإسرائيلية الأربعاء الحذر باستثناء مؤيدي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ويقول ديفيد خلفا، مؤلف كتاب “إسرائيل ـ فلسطين، العام صفر”، إن “اليمين المتطرف في حالة من النشوة والابتهاج”.

واضاف أن “الأكثر اعتدالا في البرلمان يهنئ ترامب ولكنه يعرب عن شكوكه بشأن إمكانية تنفيذ مشروعه”.

وقال زعيم المعارضة يائير لبيد: “في الأساس، لا يمكن للإسرائيليين أن يكتفوا بانتظار أن يضع الأميركيون خططا للخروج من الأزمة”.

وفسر الباحث هذا التصريح بالقول أن لبيد “يعتقد أن خطة ترامب غير واقعية، حتى أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية”.

واوضح أن “ترامب هو رجل أعمال في الأصل” يحاول “إشراك جميع الفاعلين في المنطقة للخروج من المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية وتكرار المأساة نفسها”.

 

شقاق في الحزب الجمهوري

سيطرت حالة من الارتباك والارتياب على بعض أعضاء الحزب الجمهوري اليوم الأربعاء بينما أيد آخرون الفكرة “الجريئة والحاسمة” التي اقترحها ترامب.

وأثارت الفكرة إدانة دولية وبعض المعارضة من جانب الجمهوريين في الكونغرس الذين أيدوا إلى حد كبير مبادرات ترامب مثل إيقاف المساعدات الخارجية وتسريح آلاف الموظفين الاتحاديين.

وقال المشرعون المتشككون إنهم ما زالوا يفضلون حل الدولتين لإسرائيل والفلسطينيين الذي كان منذ فترة طويلة أساسا للدبلوماسية الأميركية. ورفض البعض فكرة إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين أو إرسال قوات أمريكية إلى منطقة دمرها أكثر من عام من الحرب.

وقال السناتور الجمهوري راند بول على منصة إكس: “اعتقدت أننا صوتنا لأميركا أولا. لا مصلحة لنا في التفكير في احتلال آخر قد يدمر ثرواتنا ويسفك دماء جنودنا”.

ويحظى الجمهوريون بأغلبية طفيفة في الكونغرس مقابل الديمقراطيين الذين رفضوا الفكرة من أصلها. وقال السناتور كريس فان هولن على تلفزيون إم.إس.إن.بي.سي “هذا تطهير عرقي باسم آخر”.

وقال السناتور الجمهوري جيري موران إن فكرة حل الدولتين لا يمكن نبذها ببساطة. وأضاف للصحافيين “إنها ليست شيئا يمكن اتخاذ قرار بشأنه من جانب واحد”.

وقالت السناتور ليزا موركوفسكي إنها لا تتخيل أي اقتراح محتمل لإرسال قوات أميركية إلى منطقة “شهدت ما يكفي من الاضطرابات”.

وأضافت: “لا أريد حتى تخيل هذه المسألة، لأنني أعتقد أنه مخيف جدا”.

وأشاد رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون بالخطة ووصفها بأنها “عمل جريء وحاسم لمحاولة تأمين السلام في تلك المنطقة”.

“سنقف مع الرئيس”
وقال جونسون إنه سيناقش هذه القضية مع نتنياهو حين يجتمع معه في مقر الكونغرس غدا الخميس.

وقال جونسون في مؤتمر صحافي: “أعتقد أن الناس يدركون ضرورة ذلك، وسنقف إلى جانب إسرائيل في عملها نحو تحقيق هذا الهدف. وسنقف إلى جانب الرئيس في مبادرته”.

وخاض ترامب حملته الانتخابية على أساس تعهدات بتجنب التورط في صراعات خارجية جديدة و”حروب أبدية”، وتظهر استطلاعات الرأي التي أجرتها رويترز/إبسوس إقبالا محدودا على قائمة أولوياته التوسعية الجديدة حتى وسط الناخبين الجمهوريين.

وأظهر استطلاع لرويترز/إبسوس أجري في 20 و21 كانون الثاني/ يناير، بعد تنصيب ترامب لكن قبل تصريحاته في الآونة الأخيرة عن غزة، أن 15 بالمئة فقط من الجمهوريين يؤيدون فكرة استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية للحصول على أراض جديدة.

وقال النائب تيم بورشيت، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إنه يؤيد اقتراح ترامب بأن تقوم الولايات المتحدة بتطوير عقاري للواجهة البحرية لقطاع غزة.

وأضاف: “أعتقد أن الأميركيين والرأسمالية لديهما فرصة حقيقية لإحداث تغيير حقيقي في العالم، وسيكون هذا مثالا نموذجيا على ذلك”.

وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون إنه يؤيد “إحلال السلام والاستقرار والأمن في تلك المنطقة”، لكن يتعين تمحيص كل فكرة بدقة.