قبل أربعة أشهر فقط، كان محمد سعيد، أحد سكان مدينة إدلب شمال غربي سوريا، مضطراً لخوض رحلة شاقة استمرت أربعة أيام للوصول إلى دمشق، بتكلفة باهظة تجاوزت 350 دولاراً. اليوم، لم يعد الأمر سوى مجرد ركوب حافلة من مكان قريب من منزله، ليصل إلى العاصمة السورية في غضون خمس ساعات فقط، وبتكلفة لا تتجاوز 300 ليرة تركية (ما يعادل 9 دولارات أميركية).
يصف سعيد التغيير الحاصل قائلاً لموقع “963+”: “ما حدث أشبه بالخيال! باتت معظم المحافظات السورية في متناول المواطنين بعد سنوات من العزلة”. ويضيف: “زرت حماة وحلب وحمص وريف دمشق وتجولت في العاصمة بسهولة غير مسبوقة”.
حركة نقل نشطة وانتعاش اقتصادي
لم تكن فرحة سعيد فردية، بل انعكست على جميع السوريين الذين باتوا يتمتعون بسهولة التنقل وتكاليف السفر المعقولة مقارنة بالفترات السابقة. فقد أصبحت الطرقات الدولية تعج بالحافلات التي تعمل على مدار الساعة، ناقلة المسافرين بين المناطق التي كانت في الماضي أشبه بجزر منعزلة. وتشهد إدلب إقبالاً كبيراً من أبناء المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام سابقاً، ممن يزورونها للتعرف على معالمها، والعكس صحيح.
وساهم هذا النشاط المتزايد في انتعاش قطاع النقل، حيث أُعيد تشغيل العديد من شركات النقل بعد سنوات من التوقف. وأعاد صاحب أحد هذه الشركات ويدعى أبو عبدو من مدينة مصرين، تشغيل ثلاث حافلات يومياً، موضحاً لـ”963+” أن “التعرفة باتت 300 ليرة تركية من إدلب إلى دمشق، و200 ليرة إلى حمص، و125 ليرة إلى حماة، و60 ليرة إلى حلب”.
جميل شعيب، وهو أحد سكان دمشق الذين سافروا كثيراً بعد سقوط النظام، أكد في حديث لـ”963+” أن “حركة النقل باتت ميسرة وسهلة، الحافلات مكيفة، وهناك استراحات على طول الطريق”، لكنه أبدى أمله في أن “تنخفض كلفة النقل أكثر، إذ لا تزال مرتفعة مقارنة بقدرة المواطنين الاقتصادية”.
تبدلات جذرية في مسارات الرحلات
في السابق، كان المسافر من إدلب يضطر إلى المرور بمسارات معقدة وطويلة عبر أعزاز وجرابلس ومنبج للوصول إلى حلب، ومنها إلى باقي المحافظات، وهي رحلة مرهقة استغرقت أياماً وكانت محفوفة بالمخاطر بسبب الحواجز الأمنية والابتزاز المالي. أما اليوم، فقد تم تفعيل رحلات مباشرة عبر شركات نقل مما سهَّل وصول المسافرين إلى وجهاتهم بسرعة وأمان.
وعلى الرغم من عدم وجود تعرفة موحدة رسمياً، فإن أسعار التذاكر باتت متقاربة، حيث تبلغ تكلفة السفر عبر أحد الشركات من كراجات العباسيين في دمشق إلى إدلب 100 ألف ليرة سورية (ما يعادل 9 دولارات أو 300 ليرة تركية تقريباً).
عوائق تواجه قطاع النقل
لكن على الرغم من هذا التحسن، لا تزال هناك تحديات تواجه قطاع المواصلات. أحمد شاهين، مدير أحد شركات النقل، أشار إلى أن “قلة عدد الركاب في بعض الأوقات تجعل الرحلات غير مجدية اقتصادياً، فضلاً عن رداءة مادة الديزل المستخدمة، خاصة في العاصمة، ما يؤدي إلى تلف المركبات ورفع تكاليف التشغيل”.
وأوضح شاهين لـ”963+” أن “ارتفاع سعر الليتر الواحد من الديزل إلى أكثر من دولار يجعل من الصعب على الشركات خفض التعرفة قريباً”.
من جانبه، أشار فراس محمد، أحد المسافرين بين إدلب ودمشق، إلى ضرورة إعادة تأهيل بعض الطرق، خاصة المقطع الممتد بين سراقب واللطامنة بريف حماة، بالإضافة إلى الطريق بين إدلب وحلب، والذي لا يزال يعاني من حفر وتلف في الإسفلت بسبب الاستخدام العسكري السابق للطرق.
ومع كل هذه التغيرات، يعيش السوريون اليوم مرحلة جديدة من حرية التنقل بعد سنوات من العزلة الجغرافية. وعلى الرغم من العوائق والتحديات، فإن عودة النشاط إلى قطاع النقل تمثل خطوة هامة نحو إعادة الحياة الطبيعية إلى مختلف المناطق، بانتظار تحسين الخدمات وتطوير البنية التحتية لدعم هذا التحول الإيجابي.