أعلن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون نهاية زمن “حروب الآخرين” على أرض لبنان، مؤكداً أن قرار الحرب والسلم لن يكون إلا بيد الدولة، التي تحتكر وحدها السلاح والشرعية. هذا الاعلان جاء في ظل متغيرات إقليمية ودولية متسارعة، بحيث يبدو أن واشنطن تسعى إلى فرض التطبيع بين لبنان وإسرائيل بالقوة، مستغلةً ورقة إعادة الاعمار كوسيلة ضغط. وفي المقابل، تبدي بيروت تشدداً في ضبط إيقاعها السياسي والأمني، لتفادي استفزاز “النسر الجارح” الأميركي.
هذا التوجّه الرسمي تجلّى بوضوح في الاجراءات الأمنية الأخيرة، بحيث تمكّن جهاز أمن مطار رفيق الحريري الدولي من إحباط محاولة تهريب أكثر من مليوني دولار، أرسلتها إيران إلى “حزب الله” عبر تركيا.
وقد اتجهت الأنظار إلى البيت الأبيض، حيث لم تعد أوروبا قادرة على تحمل نهج إدارة دونالد ترامب الغليظة، وهو ما ظهر جلياً في المشهد العاصف الذي جمع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بترامب ونائبه جاي دي فانس أمام عدسات الاعلام. وعلى الرغم من أن العنوان الظاهري كان أوكرانيا، فإن هذه المواجهة تعكس تصدّع العلاقة بين القارة العجوز والبيت الأبيض. ومع مغادرة زيلينسكي من دون توقيع اتفاقية المعادن، اعتبر ترامب أن ما جرى لم يكن سوى إهانة مباشرة للدولة الأميركية، في مشهد يعكس التوتر المتصاعد بين واشنطن وحلفائها التقليديين.
إحباط تهريب أموال عبر المطار
أحبطت الأجهزة الأمنية اللبنانية في مطار رفيق الحريري الدولي محاولة تهريب أكثر من مليوني دولار أميركي من إيران إلى لبنان عبر تركيا، وسط ترجيحات بأن هذه الأموال كانت موجهة إلى “حزب الله”. وتأتي هذه العملية في إطار تشديد الرقابة على الرحلات القادمة من إيران والعراق، ضمن سياسة أوسع تهدف إلى كبح تدفق الأموال غير المشروعة التي يُعتقد أنها تموّل أنشطة الحزب.
وبحسب مصادر أمنية، فقد ضبطت الجمارك حقيبة مليئة بالأموال بحوزة اللبناني (م.ح) لدى وصوله إلى بيروت على متن رحلة طيران “بيغاسوس” التركية من مطار صبيحة في إسطنبول. وكشفت التحقيقات الأولية أن الموقوف سافر إلى تركيا قبل ساعات من عودته، والتقى شخصاً إيرانياً سلّمه الحقيبة في السوق الحرة، قبل أن يعود إلى لبنان فيما بقي الوسيط في تركيا.
وتؤكد هذه العملية استمرار الجهود الأمنية اللبنانية في تشديد الاجراءات لمنع تهريب الأموال والأسلحة، خصوصاً بعد فرض قيود إضافية على الطائرات المدنية الايرانية وإخضاع الرحلات القادمة من العراق لتفتيش صارم، في سياق الضغوط الدولية المتزايدة على “حزب الله” وإيران.
الضغوط الأميركية: التطبيع مقابل إعادة الإعمار
تزامن هذا التطور مع تصاعد الضغوط الأميركية على لبنان للانخراط في مسار التطبيع مع إسرائيل، بحيث كشفت مصادر ديبلوماسية أن الموفد الأميركي الجديد ستيف ويتكوف، الذي عُيّن في عهد الرئيس ترامب، يتّبع نهجاً أكثر تشدداً من سلفه آموس هوكشتاين.
وبحسب هذه المصادر، فإن الرسالة الأميركية واضحة: “لا إعمار قبل نزع سلاح حزب الله، ولا إعمار قبل توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل”. وتشير هذه المعادلة إلى رغبة الادارة الأميركية في دفع لبنان إلى مسار مشابه لاتفاقيات التطبيع التي وقّعتها دول عربية أخرى، مثل الامارات والبحرين والمغرب، مع التلويح بورقة إعادة الإعمار كعامل ضغط.
في المقابل، تؤكد مصادر لبنانية أن موقف بيروت لم يتغير، وهو أن أي حديث عن السلام مع إسرائيل يجب أن يكون مشروطاً بانسحابها الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، وترسيم الحدود البرية، ومعالجة قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
عون: “لا سلاح إلا للدولة”
وسط هذه الأجواء، وفي أول مقابلة له بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، شدد العماد جوزاف عون على أن “لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه”، مؤكداً أن استعادة الدولة لسيادتها تتطلب خطوات جذرية.
وقال عون في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”: “لم يعد مسموحاً لغير الدولة بحماية الأرض”، مضيفاً أن مفهوم السيادة يبدأ بحصر قرارَي الحرب والسلم، واحتكار السلاح بيد المؤسسات الرسمية.
وأوضح أن هذه المهمة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى توافق سياسي، قائلاً: “إذا كنا نريد دولة، فليس هناك شيء صعب. الظروف تتحكم بتحقيق الهدف، لكننا نسير في الاتجاه الصحيح”.
وشدد عون على التزامه بتطبيق قرار الأمم المتحدة 1701، مشيراً إلى ضرورة إنهاء جميع المظاهر المسلحة خارج إطار الدولة. وأشاد في الوقت نفسه بتصريحات صدرت عن قيادات في “حزب الله” تدعم بناء الدولة تحت سقف “اتفاق الطائف”، واصفاً هذه المواقف بـ”التطور الايجابي”.
وفي ما يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي المستمر لخمس نقاط حدودية، أكد عون أن لبنان يرفض هذا الانتهاك للسيادة، كاشفاً عن اتصالات مع فرنسا والولايات المتحدة للضغط على إسرائيل من أجل الانسحاب.
علاقات خارجية متوازنة
وأعلن الرئيس عون أن زيارته الأولى إلى الخارج ستكون إلى المملكة العربية السعودية، تعبيراً عن “الامتنان لدورها في إنهاء الأزمة الرئاسية ودعم لبنان اقتصادياً”. كما أكد أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بدعم الجيش اللبناني.
ورأى أن المطالب الدولية بالاصلاحات “ليست ضغوطاً، بل مساعدات لبناء الدولة”. وأكد التزامه بمحاربة الفساد، معتبراً أن “الطوائف لم تبنِ دولة.. الدولة هي التي تحمي الجميع”.
جولة نواف سلام في الجنوب
في أول جولة له بعد نيل حكومته ثقة البرلمان، زار رئيس الحكومة نواف سلام الجنوب، حيث تفقد مواقع الجيش اللبناني، مؤكداً أنه الجهة الوحيدة المخوّلة بحماية البلاد.
وخلال زيارته الى صور، مرجعيون والخيام، شدد سلام على أن “الحكومة تضع في أولوياتها إعادة إعمار الجنوب وتأمين عودة الأهالي إلى قراهم المدمرة”.
لكن زيارته لم تخلُ من التوترات، حيث واجهه بعض السكان في صور بمطالبات بالسماح لهم بالعودة إلى قراهم الحدودية، في حين استقبله مناصرون لـ”حزب الله” في النبطية بشعارات تدعو إلى الاعتراف بدور “المقاومة” في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.
وقال سلام عبر منصة “إكس”: “الجيش اللبناني يقوم اليوم بواجباته بشكل كامل، ويعزز انتشاره بكل إصرار وحزم من أجل ترسيخ الاستقرار في الجنوب، وعودة أهالينا إلى قراهم وبيوتهم”.
وأشار إلى أن حكومته ستعمل على زيادة عديد الجيش اللبناني وتعزيز تجهيزاته وتدريباته، مؤكداً أن “أي اعتداء على قوات اليونيفيل مرفوض، وستتم محاسبة المسؤولين عنه لضمان عدم تكراره”.
استمرار الاغتيالات والتوتر الحدودي
وتواصل إسرائيل تنفيذ غارات داخل الأراضي اللبنانية، حيث أعلن الجيش الاسرائيلي مؤخراً عن تصفية عنصر في “حزب الله” على الحدود السورية – اللبنانية، متّهماً إياه بتنسيق عمليات نقل الأسلحة.
وفي غارة جوية على منطقة الهرمل، قُتل شخصان، قالت إسرائيل إن أحدهما كان “مسؤولاً عن تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان”. كما استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية موقعاً بالقرب من ضريح الأمين العام السابق لـ”حزب الله”، هاشم صفي الدين، ما أدى إلى أضرار مادية.
النقاط الخمس
وأعلن وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش الاسرائيلي سيبقى “إلى أجل غير مسمى” في خمس نقاط حدودية داخل لبنان، مشيراً إلى أن هذا الانتشار يحظى بدعم أميركي.
وقال كاتس خلال مؤتمر في إسرائيل: “هناك منطقة عازلة على الحدود مع لبنان، حصلنا على ضوء أخضر أميركي، قدمنا لهم خريطة وسنبقى إلى أجل غير مسمى”. وأثار هذا التصريح تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بالضغوط الدولية لإجبار إسرائيل على الانسحاب.
ترامب – زيلينسكي
وقعت مواجهة كلامية محتدمة بين الرئيسين الأوكراني والأميركي في البيت الأبيض، الجمعة، في اجتماع من المقرر أن يوقعا فيه على اتفاق بشأن تقاسم ثروات أوكرانيا المعدنية ومناقشة اتفاق سلام مع روسيا.
وحثّ زيلينسكي الرئيس ترامب على توخي الحذر مع روسيا، بينما اتهم الأخير الرئيس الأوكراني بقلة الاحترام وذلك في خروج للخلافات المتفاقمة بين الطرفين إلى العلن.
وقال ترامب لزيلينسكي: “أنت لا تتصرف على الاطلاق وكأنك ممتن. هذا ليس تصرفاً لطيفاً”.
ووصف ترامب ونائبه جاي دي فانس الرئيس الأوكراني بأنه “عديم الاحترام” خلال الاجتماع، حين طلب الأخير التزاما أمنياً أميركياً في مواجهة روسيا.
وقال ترامب إن زيلينسكي غير مستعد للسلام، وأظهر عدم احترام لأميركا. وأضاف: “بوسع زيلينسكي العودة عندما يكون مستعداً للسلام”.
ووصف زيلينسكي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “إرهابي”، وقال لترامب إن أوكرانيا والعالم لا يحتاجان إلى تقديم “تنازلات لقاتل”. وأضاف: “حتى في أثناء الحرب هناك قواعد”.
ورفض قول ترامب إن المدن الأوكرانية تحوّلت إلى أنقاض بسبب الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات، فيما أكد ترامب أن بوتين يريد إبرام اتفاق. وقال لزيلينسكي: “أنت تقامر بإشعال الحرب العالمية الثالثة”، وحثّه على أن يكون أكثر امتناناً، معتبراً أن الخيارين المتاحين أمامه هما إما أن يتوصل إلى اتفاق وإما أن تتخلى الولايات المتحدة عن أوكرانيا.