الحل بيد أردوغان
لندن- ذكرت وكالة أنباء مقربة من حزب العمال الكردستاني المحظور أنه أعلن وقفا فوريا لإطلاق النار السبت استجابة لدعوة زعيمه المسجون عبدالله أوجلان بالتخلي عن السلاح، في خطوة مهمة لإنهاء صراع مستمر منذ 40 عاما وسط رهانات تركية وكردية على أن تؤمّن هذه التهدئة مناخا يساعد على اتساع دائرة التسوية لتشمل أكراد سوريا. كما أنها تساعد في تحسين صورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الداخل.
لكن شجاعة الأكراد في القبول بوقف إطلاق النار سريعا تحتاج إلى شجاعة مقابلة من تركيا لمساعدة الأكراد على اتخاذ قرار نهائي عبر عقد مؤتمر عام يفترض أن يحضره القائد آبو (أوجلان) لإكسابه شرعية سياسية تاريخية تكون ملزمة للأكراد في المرحلة الحالية وفي المستقبل وتقطع الطريق على الخلافات داخل الجسم الكردي بشأن صواب هذا الخيار من عدمه.
عادل بكوان: إلقاء السلاح سيؤدي إلى تغيير جذري ليس فقط في الحركة الكردية، بل أيضا في جغرافية الشرق الأوسط
ودعا أوجلان الخميس حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء سلاحه وحل نفسه في خطوة أيدتها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب المساواة والديمقراطية للشعوب الموالي للأكراد.
وقد تكون لهذه الدعوة، حال نجاحها، تبعات بعيدة المدى على المنطقة وقد تنهي صراعا أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ أن بدأ حزب العمال الكردستاني، المتمركز الآن في منطقة جبلية بشمال العراق، حمل السلاح في عام 1984.
وفي حال التزم مقاتلو الحزب بدعوة زعيمهم، ستكون تركيا المستفيد الرئيسي من ذلك لكونها قد فتحت الباب بشكل جاد هذه المرة لحل قد ينهي صراعها مع الأكراد في المنطقة وليس فقط حزب العمال الكردستاني، ويسمح لها بالتفرغ لقضايا أخرى مثل دعم النفوذ التركي المتزايد في مناطق مختلفة من العالم خاصة في أفريقيا وآسيا.
ويرى مدير المعهد الأوروبي للدراسات حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عادل بكوان أن ذلك “سيؤدي إلى تغيير جذري ليس فقط في الحركة الكردية، بل أيضا في جغرافية الشرق الأوسط وجغرافيته السياسية من خلال وضع تركيا في مركز الثقل”.
وفي وقت قد يشهد فيه العراق أخيرا نهاية قضية شائكة لطالما تسببت في توتر علاقاته مع تركيا، سيكون الوضع في سوريا أكثر تعقيدا إذا تمسكت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بخيار التصعيد العسكري والسياسي تجاه تركيا أو تجاه الإدارة السياسية الحليفة في سوريا.
وفي حين رحّب مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية بدعوة أوجلان، أكّد الخميس أن قواته غير معنية بها. لكن وقف المعارك بين تركيا وأكرادها سيخفف العبء عن قسد على الأقل من ناحية التهديدات التركية المتتالية بالهجوم العسكري المباشر واجتياح المناطق السورية الكردية.
◄ في حال نفذ حزب العمال مطالب أوجلان، ستكون تركيا أكبر مستفيد لكونها قد فتحت الباب لحل ينهي صراعا تاريخيا
ولئن كان حجم الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني في سوريا غير معروف، فإن انسحابه سيترك قسد في حالة ضعف، كما أنه يعطي مبررا للانتقادات الموجهة لها، ويزيد من الضغوط عليها لسلوك طريق الحل السياسي مع دمشق والبحث عن اندماج فعلي مع الإدارة الجديدة بدلا من المناورة. عدا ذلك، فإن قسد ستكون في مرمى الاستهداف السوري والتركي في آن واحد.
ويقول الباحث في مركز “تشاتام هاوس” ريناد منصور إن العلاقة مع الأكراد تشكّل “بؤرة توتر” مع السلطات السورية الجديدة التي تعمل على ترسيخ سلطتها.
ويرى أن بناء علاقة جديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني من شأنه أن “يؤثر على تطور النظام السياسي وتقاسم السلطة في سوريا”.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية مرارا إنها مستعدة للانضمام إلى الجيش السوري الجديد ككيان لكنها ترفض الاندماج فيه، وهو شرط تعتبره السلطات الجديدة غير مقبول.
والرهانات المطروحة على مسار السلام الكردي – التركي – السوري ستكون مثار اختبار ميداني إذا لم تبادر تركيا بتفهم الإحراجات التي يقابلها حزب العمال وتمكينه من مناخ مساعد على إدارة الحوار مع قواعده ومناقشة تحديات خيار السلام ومزاياه.
ريناد منصور: بناء علاقة جديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني من شأنه أن يؤثر على تطور النظام السياسي وتقاسم السلطة في سوريا
وقال حزب العمال الكردستاني إنه يأمل في أن تمنح أنقرة مزيدا من الحريات لأوجلان المحتجز في عزلة تامة تقريبا منذ 1999 كي يتسنى له قيادة عملية إلقاء السلاح، وأضاف أن هناك حاجة لوضع شروط سياسية وديمقراطية لإنجاح العملية.
ونقلت وكالة فرات للأنباء عن الجماعة قولها في بيان “نحن، كحزب العمال الكردستاني، نتفق مع مضمون الدعوة المذكورة بشكل مباشر ونعلن أننا سنلتزم بمتطلبات الدعوة وننفذها من جانبنا، ولكن مع ذلك، لا بد من ضمان تحقيق الظروف السياسية الديمقراطية والأرضية القانونية أيضا لضمان النجاح”.
وأضافت “في هذا السياق، نعلن وقف إطلاق النار اعتبارا من اليوم إيذانا بتحقيق دعوة القائد آبو (أوجلان) المتمثلة في السلام والمجتمع الديمقراطي، ولن تقوم أيّ من قواتنا بتنفيذ عمليات مسلحة، ما لم تُشن الهجمات ضدنا، كما أن تحقيق قضايا مثل وضع السلاح، لا يمكن أن تتم إلا بالقيادة العملية للقائد آبو”.
وقال حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية، إنه مستعد لعقد مؤتمر كما دعا أوجلان لكنه أشار إلى “ضرورة تهيئة الظروف المناسبة، ومن أجل نجاح المؤتمر، لا بد أن يتولى القائد آبو قيادة المؤتمر شخصيا”.
وقال جودت يلماز نائب الرئيس التركي السبت إن المعركة ضد الإرهاب أضرت بشكل كبير بإمكانات تركيا من خلال إعاقة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستثمارات والسياحة والطاقة.
وأضاف يلماز على منصة إكس “حل المنظمة الإرهابية دون أي مفاوضات يعني بيئة وعصرا جديدا في مجال التنمية والديمقراطية، وكذلك في مجال الأمن”.