بعد سنوات من شبه قطيعة، وفي خطوة تعكس توجهاً جديداً في العلاقات اللبنانية – السعودية، بدأ رئيس الجمهورية جوزاف عون أمس زيارته الرسمية إلى الرياض، حيث استقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقاء يهدف إلى تدشين مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين. وتناولت المباحثات التي جرت في قصر اليمامة العلاقات الثنائية بين البلدين ومستجدات المنطقة.
وتأتي هذه الزيارة، الأولى من نوعها خارجياً للرئيس عون منذ انتخابه، في سياق سعي لبنان إلى إعادة ترميم علاقاته العربية، ووضع خريطة طريق واضحة لتعزيز الشراكة مع المملكة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية.
وتحمل المحادثات بين ولي العهد السعودي ورئيس الجمهورية دلالات كبرى، سواء لجهة التأكيد على التزام لبنان بعمقه العربي ودوره الاقليمي، أو لجهة فتح المجال أمام اتفاقيات جديدة من شأنها المساهمة في دعم الاقتصاد اللبناني، الذي يواجه تحديات غير مسبوقة. كما تُشكل الزيارة فرصة للرئيس عون لتأكيد تقدير لبنان للدور السعودي التاريخي في دعمه واستقراره، وحرصه على بناء علاقة متينة قائمة على المصالح المشتركة، بعيداً من التجاذبات التي أثرت على مسار العلاقات في السنوات الأخيرة.
في المقابل، تعكس استضافة السعودية للرئيس عون حرصها على استقرار لبنان، ورغبتها بالمساهمة في نهضته الاقتصادية، شرط أن يلتزم بسياسة واضحة تضمن استقلالية الدولة ومؤسساتها بعيداً من أي محاور إقليمية. ومن المنتظر أن تسفر المحادثات عن تفاهمات تتعلق بالتعاون الاقتصادي والاستثماري، إلى جانب بحث القضايا الاقليمية، في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، سواء على صعيد التصعيد الاسرائيلي – الفلسطيني أو التحركات الديبلوماسية لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة.
كما تحمل هذه الزيارة آمالاً كبيرة للبنانيين الذين يتطلعون إلى دعم عربي يساعد في إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الثقة الدولية. وتأتي في وقت يسعى فيه لبنان إلى إعادة ترتيب أولوياته، ووضع أسس جديدة لعلاقاته الخارجية، بما يضمن استقراره السياسي والاقتصادي على المدى الطويل.
وقال الرئيس عون بُعيد وصوله الى الرياض، إن “الزيارة فرصة لتأكيد عمق العلاقات اللبنانية – السعودية”، متطلعاً “بكثير من الأمل إلى المحادثات التي سأجريها مع ولي العهد، مساء الاثنين، التي سوف تمهد لزيارة لاحقة يتم خلالها توقيع اتفاقيات تعزز التعاون بين البلدين الشقيقين”.
وتأتي الزيارة في خضم استمرار التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، والتي أساسها القضية الفلسطينية، وبينما تتجه إسرائيل نحو تصعيد عسكري جديد بدعم مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحاول مصر طرح مبادرة سياسية قد تشكل بديلاً للحرب المستمرة. ويهدد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو “حماس” بأنها ستدفع ثمناً غير مسبوق إذا لم تُفرج عن المحتجزين، فيما تتعثر جهود الوساطة لتمديد وقف إطلاق النار، ما يعزز احتمالات اندلاع موجة جديدة من العنف.
وفي مقابل التهديدات الاسرائيلية، تبرز المبادرة المصرية كخطة تسعى الى تقليل الخسائر ومنع تنفيذ سيناريو “التهجير القسري” الذي يلوّح به الجانب الاسرائيلي ضمن ما يُعرف بمخطط “ريفييرا الشرق الأوسط”، بحيث تسعى تل أبيب بدعم من واشنطن إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية لغزة وفق رؤية سياسية جديدة.
نتنياهو: تهديدات مباشرة واستعداد لحرب طويلة
وفي خطاب أمام الكنيست الاسرائيلي، أطلق نتنياهو سلسلة من التهديدات ضد “حماس”، وتوعدها بـ”عواقب لا يمكن تصورها” إذا لم تُفرج عن المحتجزين لديها.
ولم يقتصر خطاب نتنياهو على التصعيد ضد غزة وحسب، بل شمل أيضاً هجوماً على المعارضة الاسرائيلية، التي اتهمها بـ”تحريض الشارع” وبث الأكاذيب، ما أدى إلى حالة فوضى داخل الكنيست، انتهت بطرد عدد من نواب المعارضة.
الدعم الأميركي: أسلحة وغطاء سياسي للحرب
وتلقى نتنياهو دعماً مباشراً من الرئيس ترامب، الذي استأنف إرسال الذخائر والأسلحة إلى إسرائيل بعد أن جمّدتها الادارة السابقة. ووصف ترامب بأنه “أعظم صديق لاسرائيل في البيت الأبيض”، مشيراً إلى أن هذا الدعم سيمكن تل أبيب من “إنهاء المهمة” ضد إيران وحلفائها في المنطقة.
وفي هذا الاطار، أعلنت واشنطن عن تسريع تسليم مساعدات عسكرية بقيمة 4 مليارات دولار لاسرائيل، تتضمن قنابل وصواريخ وذخائر متطورة، في خطوة أثارت انتقادات دولية، خصوصاً من الدول العربية التي ترى في هذا الدعم استمراراً لنهج الحرب بدلاً من السعي الى حل ديبلوماسي.
إسرائيل وإيران: تصعيد إقليمي
تصعيد نتنياهو لم يقتصر على غزة، بل شمل أيضاً استهداف حلفاء إيران في المنطقة، بحيث أكد أن إسرائيل نفذت ضربات قوية ضد “حزب الله” في لبنان، إضافة إلى عمليات داخل إيران نفسها، رداً على الهجمات الصاروخية التي نفذتها ضد تل أبيب.
ويرى مراقبون أن تل أبيب تسعى إلى استغلال الدعم الأميركي غير المحدود في عهد ترامب لفرض واقع جديد في المنطقة، يتجاوز الحرب في غزة إلى تصعيد أوسع مع إيران وحلفائها، ما قد يؤدي إلى توتر إقليمي أشمل.
الخطة المصرية: محاولة لاحتواء الأزمة
وفي مواجهة التصعيد الاسرائيلي، تعمل مصر على تقديم خطة بديلة تهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع في غزة من دون اللجوء إلى حلول عسكرية. وتتضمن الخطة نقاطاً مهمة أبرزها: إبعاد “حماس” عن المشهد السياسي تدريجياً، منع التهجير القسري، إعادة إعمار غزة، تشكيل حكومة انتقالية والتعاون العربي والدولي.
وعلى الرغم من أن الطرح المصري يبدو منطقياً كبديل للحرب، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، أبرزها: الرفض الإسرائيلي – الأميركي، معارضة “حماس”، غياب توافق عربي وأزمة التمويل.