تم التوصل إلى اتفاق تاريخي بين الرئيس السوري أحمد الشرع والسيد مظلوم عبدي قائد قوات سورية الديموقراطية وذلك بعد مفاوضات جادة حدثت بدون ضجيج،وبدأت منذ الشهر الأول لسقوط النظام السوري، حرص فيها الطرفان على استبعاد التصريحات الإعلامية التي قد تنعكس سلباً على سير المباحثات، لكن وجود النوايا الصادقة كان كفيلاً بتتويج هذا الجهد بالنجاح. من عوامل نجاح الاتفاق قناعة الطرفين العسكريين الأقوى في الداخل السوري بأنه لا حل بينهما إلا بالوسائل السلمية, وهذا ما أكد عليه الطرفان منذ البداية، كما شهدنا عدة إشارات مشجعة منها رفع علم الثورة في مناطق شمال شرق سورية ومنها تصريحات السيد الشرع أثناء زيارته لحلب عن ضرورة عودة سكان عفرين إلى بيوتهم إضافة لتصريحاته المتعددة حول دور جميع الكيانات السورية في بناء سورية الجديدة، ومنها عقد توريد كميات من النفط والغاز، كل ذلك خلق ما يكفي من المناخات الإيجابية الضرورية اللازمة لنجاح الاتفاق، وبالطبع توجد ظروف إقليمية ودولية مشجعة منها إعلان السيد أوجلان بوقف العمل المسلح وتأثير ذلك الإعلان على الساحات المجاورة في العراق وسورية، وقد توجد أيضاً ظروف ضاغطة ومنها رغبة النظام السوري الجديد بالحصول على الدعم الدولي ومنها أيضاً احتمالات التغير في السياسات الأمريكية المتعلقة بالوجود العسكري في سورية.
المهم أن الاتفاق قد تم توقيعه ويبدو أن بعض الإجراءات التنفيذية بدأت بشكل فوري منذ اليوم الأول، وقبل التعرف على مضمون أو بنود الاتفاق لابد من الإشارة إلى تلك الفرحة العارمة التي أظهرها السوريون في جميع المحافظات لشعورهم بانتهاء خطر الحرب والصراع العسكري ولشعورهم بأن بلدهم سيتوحد فعلياً وبأن سكان المدن والأرياف، مهما كانت انتماءاتهم، سيعودون كل إلى بيته وأهله، ونتمنى أن تتم هذه العودة بسلم وأمان وتوافق وبدون أي منازعات، وأن نتخلص مرة واحدة وإلى الأبد من أي شعور بالكراهية أو العداء، وأن نحتفل بأعيادنا معاً، وربما سيكون النيروز القادم عيداً لوحدة السوريين جميعاً.
لقد جاء البند الأول مكرساً مبدأ المواطنة والحقوق المتساوية في التمثيل والمشاركة السياسية ولأول مرة في التاريخ السوري أكد البند الثاني على الضمان الدستوري لحقوق الكرد في سورية بما يشمل الحقوق السياسية والثقافية واللغوية. أما بقية البنود فهي تقر بضرورة وقف شامل لإطلاق النار على كافة الأرض السورية الأمر الذي يعني اهتمام الطرفين ليس فقط بالوضع العسكري البيني بل بكامل الساحة السورية، وكذلكبالدمج الكامل لجميع المؤسسات المدنية والعسكرية والاقتصادية في شمال شرق سورية ضمن الإدارة الجديدة للدولة السورية، كما تصر بنودأخرى على تعزيز قيم الوحدة والتعايش المشترك وضمان عودة المهجرين واللاجئين إلى قراهم والالتزام بمكافحة فلول النظام السابق.
من الناحية الإجرائية ستشكل لجان تنفيذية مشتركة لتطبيق الاتفاق وقد تم وضع مدى زمني مناسب لإنجاز المهام نهاية هذا العام وهو تقدير زمني مناسب كما نعتقد.
بقي أن نقول أن تنفيذ الاتفاق قد يواجه بعض الصعوبات العملية وهو أمر طبيعي ويجب التعامل مع أية صعوبات متوقعة بصبر وحكمة وعقلانية، ومن المهم إدراك أهمية إشراك الجميع في جميع إجراءات المرحلة الانتقالية من تطبيق العدالة الانتقالي، التي كان عدم تطبيقها هو السبب وراء اندلاع أحداث الساحل السوري، والتحضير لمؤتمر وطني شامل ذي مخرجات مُلزٍمة وكذلك المشاركة في تحضير الإعلان الدستوري المؤقت وأخيراً العمل مع جميع السوريين في التحضير للدستور الدائم والانتخابات الشاملة.
إن هذا الاتفاق سيشكل حافزاً حقيقاً لمتابعة توحيد الوطن السوري أرضاً وشعباً وهناك بدايات مشجعة وتوقعات بالتوصل إلى توافق مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والسياسية في السويداء بقصد الدمج الكامل في الدولة السورية الجديدة. كان مؤسفاً ترافق هذه الاخبار السارة بالانتهاكات المدانة التي جرت في الساحل السوري والتي تؤكد مرة أخرى ضرورة تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية، وحيث يتطلب الوضع معالجة حقيقية تتضمن محاسبة كل من قام بأي انتهاكات بحق المدنيين والعسكريين السوريين وفق قواعد حقوقية صارمة والانتهاء من التبعات الضارة والمخلة بالوحدة الوطنية السورية.
أخيراً فإن وحدة السوريين وعملهم المشترك ينهي ذرائع اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل المعلنة بقصد التدخل في الوضع الداخلي السوري.
مبروك الاتفاق للجميع، عاشت وحدة السوريين جميعاً على أساس المواطنة المتساوية ومن أجل مستقبل ديموقراطي لسوريا.
“تيار مواطنة” مكتب الإعلام 11/03/2025