مشاهد تثلج الصدر
قبل الكتابة عن أحداث الساحل السوري وعن توقيع الاتفاق مع الأكراد لدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية، لي طلب بسيط أوجهه للرئيس أحمد الشرع، أن يعمل على إصدار قرار يحدث تبدلا كبيرا في الطريقة التي ينظر فيها العالم إلى الحكومة السورية الجديدة.
القرار هو رفع اللثام الذي يضعه عناصر من الجيش السوري والأمن العام على وجوههم خلال تنقلاتهم، لأن هذا اللثام يدفع إلى الربط بينهم وبين المقاتلين من الفصائل.
شخصيا، ليست لي مشكلة مع اللثام ورمزيته، ولكن أفضل ويفضل السوريون رؤية وجوههم والاستبشار بها، وأكاد أجزم أنهم شباب وُسَماء يمكننا أن نباهي بوجوههم الأمم.
تكفي الملابس العسكرية الرسمية لتمييزهم. إنهم نجوم سوريا، ومن حقهم أن يتباهوا وينالوا الشهرة التي يستحقونها.
◄ بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة، قفز سعر الليرة السورية 20 في المئة أمام الدولار. إنها علامة ثقة، تفسيرها الوحيد أن سوريا سائرة على طريق الاستقرار
أكتفي بهذا، لأتحدث عن مفاجأة لا تقل بوقعها عن مفاجأة انهيار نظام الأسد وهروبه خارج سوريا، وهي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الاثنين على اتفاق يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
حتى الدقائق الأخيرة، كان رهان الجميع على التقسيم، خاصة مع الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل السوري. الرئيس الشرع نفسه تحدث عن الأضرار التي ألحقتها هذه التجاوزات بما تحقق من إنجازات على صعيد علاقة الحكومة السورية الجديدة مع دول العالم ومنظماته، مضيفا أن العمل على ترميم هذه الأضرار سيحتاج إلى وقت طويل.
بالنسبة إليّ، الحدث لم يكن مفاجأة، لأنني لم أراهن يوما على تقسيم سوريا. فسوريا رقم لا يقبل القسمة.
قبل ساعات من الإعلان عن الاتفاق، كتبت مقالا تحت عنوان “سوريا: الحل بالتسامح وتجاوز ثقافة الانتقام”، عرضت في المقال ما جاء على لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، من أن سوريا لا تبدو متجهة نحو نظام فيدرالي، بل نحو دولة مركزية موحدة، ويتعين على قوات سوريا الديمقراطية أن تصبح جزءا من الجيش التابع للحكومة السورية في دمشق، وتعمل تحت قيادتها.
واليوم يؤكد مظلوم عبدي بعد توقيع الاتفاق أن الإدارة الأميركية نصحت قيادة قسد بالتوصل إلى اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة.
إنها مسألة أيام قليلة قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق ينظم العلاقة مع منطقة الجنوب السوري، ينهي التدخل الإسرائيلي ويضع حدا للإشاعات حول رغبة أبناء الجنوب في الانفصال عن سوريا، وهي إشاعات لا تؤيدها أي حقائق على الأرض. أبناء الجنوب يعتزون بانتمائهم إلى سوريا، ووطنيتهم لا يشك فيها. إنهم أحفاد سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى التي اندلعت عام 1925 وساهمت في إخراج الاستعمار الفرنسي من سوريا.
رغم ما حدث خلال الأيام الماضية في منطقة الساحل السوري، لن تجد بين أبناء الطائفة العلوية من يتحدث عن دولة علوية مستقلة، ويصرون على رؤية أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.
◄ مظلوم عبدي يؤكد بعد توقيع الاتفاق أن الإدارة الأميركية نصحت قيادة قسد بالتوصل إلى اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة
من منكم لم يشاهد صور ومشاهد الاحتفالات التي نقلتها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لآلاف السوريين الذين خرجوا في المدن السورية كلها، من الحسكة إلى القامشلي إلى دير الزور والرقة وحلب ودمشق وحمص وطرطوس واللاذقية، قبل أن يجف الحبر الذي استخدم للتوقيع على القرار.
إنها مشاهد تثلج الصدر، وتخفف من الألم الذي تسببت به صور القتلى المدنيين الأبرياء، وعبور الآلاف من سكان مدن وقرى ريف الساحل نهر الكبير الشمالي إلى لبنان هربا من القتل.
السؤال الآن يتركز على ما المطلوب عمله لإعادة الثقة وبث الطمأنينة في نفوس أبناء الطائفة العلوية، وأنهم ليسوا مطاردين ومدانين إلى أن تثبت براءتهم؟
هناك حل واحد، هو أن تبادر الحكومة لإعداد قائمة بأسماء كبار المطلوبين والمتهمين بتعذيب وقتل السوريين خلال حكم الأسد، حتى لا يشعر كل فرد عمل يوما ضمن سلك الجيش والأمن أنه مطلوب ومستهدف.
أبناء الطائفة العلوية ليسوا هم الوحيدون الذين عملوا مع النظام البائد، هناك أسماء يعرفها الجميع، من بين كل الطوائف والأقليات، عملت مع النظام، أياديها ملطخة بدماء السوريين.
بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة، قفز سعر الليرة السورية 20 في المئة أمام الدولار. إنها علامة ثقة، تفسيرها الوحيد أن سوريا سائرة على طريق الاستقرار، وأن الاستقرار هو كل ما يحتاجه السوريون لينهضوا ببلدهم من جديد. وهم يستحقون الفرصة التي هيئت لهم.
اقرأ أيضا: