…
لعله آن الآوان لكي يفتتح مسؤولو حزب الله، أقوالهم وخطاباتهم الرسمية بأداء اليمين التالي: “نقسم بالله العظيم، وبنبينا محمد وآل بيته الكرام، أننا رفعنا الراية، وسلّمنا (ونسلّم) السلاح الى الجيش اللبناني، وتعهدنا بأن نلقي مسؤولية المقاومة من الآن فصاعداً على الدولة اللبنانية ومؤسساتها حصراً”..
هكذا فقط يمكن للحزب ان يحل مشكلة مستعصية، ويكون صادقاً مع نفسه ومع جمهوره، ومقنعاً ل”الجماهير”الأخرى بحقيقة أن تجربته العسكرية قد انتهت..وليس له شأن بالصواريخ البدائية المشبوهة التي انطلقت بالأمس من محيط قلعة شقيف أرنون بالأمس، على مستوطنة المطلة اليهودية المتاخمة لبلدة الخيام الجنوبية، وكادت تعيد البلد الى ما قبل إتفاق وقف اطلاق النار مع العدو الإسرائيلي.
ليس هناك مخرجٌ آخر من الجدل العقيم، والمؤذي الذي يتخبط به لبنان، سوى ان تصدر الدولة اللبنانية ومعها اللجنة الخماسية الدولية المكلفة بضمان تنفيذ اتفاق وقف النار، بيانات وكشوفات وفيديوهات توثق عمليات التسليم والتسلم لمخازن الأسلحة، التي يقال أنها أُفرغت تماماً في مختلف أنحاء جنوب الليطاني، عدا بعض المراكز المتفرقة في منطقة الخيام، وذلك لإسباب لوجستية بحتة، لا علاقة لها بتمنع الحزب أو تردده في التسليم، جنوب النهر، وشماله أيضا، حيث تسير تلك العملية على ما يُرام أيضا، على ذمة الخبراء والثقاة.. ولا يعطل الإفصاح عنها سوى الحرص على صورة الحزب.
لكن الحفاظ على تلك الصورة، برغم الاستباحة الإسرائيلية الفظة لكامل الجغرافيا اللبنانية، ليس العائق الوحيد أمام البرهان على أن الحزب ملتزمٌ فعلا، وبأن لبنان كله ينفذ بدقة متناهية، قرار وقف النار. فالانتهاكات الإسرائيلية هي أيضاً عائق جوهري يحول دون المضي قدماً، بالتحديد شمالي النهر، في تسليم السلاح وتسلمه ونقله وإيداعه المخازن المناسبة، وتقديم الأدلة المطلوبة من جانب اللجنة الخماسية. وهذه الانتهاكات لا تتم أيضاً لاعتبارات خاصة فقط ب”الجبهة اللبنانية”، كما أن النية الإسرائيلية الفعلية تفضل تفجير ما تبقى من سلاح قبل أن يقع في أيدي الجيش اللبناني.
حان الوقت فعلاً لكي يتحدى الحزب نفسه، ويتسم بالجرأة الكافية لكي يعلن من جانبه ما الذي سلّمه للدولة من سلاح ومن موقف ومن توقيع.. علّه يوقف هذه المهزلة المستمرة التي تطلق العنان لأي تاجر مخدرات او سائق موتوسيكل فالت ان يهتف ضد عناصر الجيش والامن اللبناني: “لبيك نصر الله..”، وهو الهتاف الذي يعتبره وزراء في حكومة نواف سلام، حجة دامغة لإتهامه بخرق وقف النار، وتحميله المسؤولية عن منع تدفق المليارات من أموال المساعدات الخارجية على لبنان.
بهذا السلوك، يمكن ان يدخل “حزب الله” التاريخ من بابه العريض، عندما يقر بالهزيمة ويقسم اليمين عليها، ليستقر في مكانه الطبيعي من الذاكرة الوطنية، التي يبدو أنها ستكون ملزمة في مرحلة لاحقة بالبحث عن التأسيس لمقاومة وطنية بديلة، لإزالة آثارالاعتداءات والاختراقات الإسرائيلية، للأرض والمجتمع والكيان اللبناني..وهي مهمة لن تقوى الدولة اللبنانية على تحمّلها وحدها، حتى ولو أبدت الاستعداد لدفع أثمان باهظة، مقابل تحرير الأراضي المحتلة وجلب الأموال الموعودة لاعادة بناء ما تهدم من عمران، نتيجة حرب بائسة خاضها الحزب من دون أدنى حسّ بالمسؤولية.
ومهما طال زمن الاحتلال والاختراق الاسرائيلي، وهو كما يبدو سيطول، لن يعدم الجنوب، ومعه بقعٌ لبنانية كثيرة، وسيلة للعثور على تلك المقاومة الوطنية البديلة، التي ترفد جهود الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا في مواجهة عدو متوحش، لن يكون التفاوض معه على إستعادة الأرض المحتلة ووقف الانتهاكات للسيادة اللبنانية، مهمة سهلة أبداً أبداً..حتى ولو ترك لبنان “قبر العبّاد” الذي صار مقاماً إسرائيلياً على أرض بلدة حولا، للتدبير الإلهي.
بيروت في 23 / 3 / 2025
حازت Swisslos على إعجاب Nouraddin Abdo.
Swisslos
مُموَّل ·