في خطوة تهدد بزلزال اقتصادي عالمي، شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً غير مسبوق على النظام التجاري الدولي، فارضاً سلسلة من الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية. هذه الخطوة لم تقتصر على التأثير الاقتصادي وحسب، بل فتحت الباب أمام حرب تجارية واسعة مع كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، في وقت تحشد فيه واشنطن قواها باتجاه الشرق الأوسط، متوعدةً طهران بإجراءات أكثر صرامة.
يتزامن التصعيد الاقتصادي مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، بحيث تتزايد المؤشرات على احتمال لجوء واشنطن إلى الخيار العسكري خلال الأشهر المقبلة. فقد قدّرت الاستخبارات الأميركية أن هجوماً عسكرياً على إيران قد يحدث في النصف الأول من العام الجاري، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”.
نشر قاذفات نووية قرب إيران
كشفت صور أقمار اصطناعية عن انتشار ست قاذفات شبحية من طراز “بي-2 سبيريت” ذي القدرة النووية في قاعدة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، وهي قاعدة استراتيجية تمنح القوات الأميركية القدرة على تنفيذ ضربات بعيدة المدى ضد أهداف في إيران واليمن. وتُعرف هذه القاذفات بقدرتها على اختراق الدفاعات الجوية المعقدة واستهداف المنشآت المحصّنة تحت الأرض، ما يعزز التكهنات بدورها في أي ضربة محتملة للمنشآت النووية الايرانية.
في الوقت نفسه، تواصل واشنطن حملتها العسكرية المكثفة ضد الحوثيين في اليمن، ما يعكس تصعيداً واسع النطاق في استراتيجيتها بالمنطقة. وعلى الرغم من أن القيادة الاستراتيجية الأميركية امتنعت عن التعليق على تفاصيل نشر القاذفات، فإن تقارير متزايدة تؤكد أن هذا التحرك يأتي ضمن تحضيرات لعمليات عسكرية أوسع نطاقًاً
سياسة الحمائية الأميركية: سلاح ذو حدين
في مشهد يعيد تشكيل معالم الاقتصاد العالمي، فرض ترامب نوعين من الرسوم الجمركية على واردات الولايات المتحدة من 180 دولة. النوع الأول يشمل رسوماً أساسية بنسبة 10%، أما النوع الثاني فهو رسوم متبادلة تتراوح بين 10% و49%، تستهدف الدول التي تمتلك فائضاً تجارياً مع أميركا.
هذا القرار أثار موجة استياء عالمية، إذ حذّرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن هذه الخطوة قد تُوجّه “ضربة قوية” للاقتصاد العالمي، مهددةً بتدابير انتقامية من الاتحاد الأوروبي.
وفي بكين، سارعت وزارة التجارة الصينية الى المطالبة بإلغاء الرسوم فوراً، محذّرةً من أن التعريفات الجديدة تعرض سلاسل التوريد العالمية للخطر. أما الهند وتايوان واليابان، فقد أبدت قلقها، معلنةً أنها ستتخذ إجراءات تفاوضية، فيما أعربت بريطانيا عن استعدادها لمواجهة التأثيرات الاقتصادية للقرار.
عواقب اقتصادية وخسائر ضخمة
سرعان ما انعكست الرسوم الجمركية الجديدة على الأسواق العالمية، حيث شهدت “وول ستريت” تراجعاً حاداً، وانخفضت مؤشرات “داو جونز” و”ستاندرد آند بورز 500″ و”ناسداك” بأكثر من 3%. وفي الأسواق الآسيوية، انخفض مؤشر طوكيو القياسي بنسبة 3.1%، بينما هبطت أسعار النفط بأكثر من 4%.
يرى خبراء الاقتصاد أن ترامب يراهن على مستقبل الاقتصاد الأميركي عبر هذه الرسوم، في محاولة لاستعادة الوظائف وتحفيز التصنيع المحلي. لكن هذا الرهان قد يكون عالي المخاطر، إذ حذّر محللو “بنك باركليز” و”جي بي مورغان” من أن هذه السياسات قد تدفع الاقتصاد الأميركي إلى حافة الركود، مع ارتفاع التضخم إلى 4% وزيادة البطالة.
وسط هذه الاجواء يتزايد الضغط الأميركي على لبنان لدفعه نحو مسار تفاوضي مع إسرائيل، في وقت يشهد الجنوب تصعيداً عسكرياً غير مسبوق. فمع زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت، يبدو أن لبنان الرسمي، ممثلاً بالرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، غير متحمّس لمقترح تشكيل ثلاث لجان تفاوضية تضم عسكريين وديبلوماسيين، خشية أن يكون ذلك استدراجاً إلى مسار تطبيعي غير معلن.
الادارة الأميركية ترى أن الظروف الاقليمية مناسبة للضغط على لبنان ودفعه إلى إعادة صياغة علاقته مع إسرائيل، بدءاً من الملفات الحدودية العالقة، وصولاً إلى خطة تنتهي بمسار تطبيع تدريجي. إلا أن بيروت لا تزال متمسكة بموقفها التقليدي الرافض للتطبيع قبل بقية الدول العربية، وتخوض مشاورات لإقناع واشنطن بعدم إمكان فرض هذا المسار على لبنان أولاً.
في المقابل، تتواصل ضربات اسرائيل على الجنوب اللبناني، إذ أعلن جيشها تنفيذ غارات جوية استهدفت عناصر من “حزب الله” في علما الشعب، إضافة إلى قصف مناطق في الناقورة وتدمير مركز للدفاع المدني التابع لـ “الهيئة الصحية الاسلامية”، ما يعكس تصعيداً عسكرياً ممنهجاً يرافق الضغط السياسي الأميركي.