.
زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون مصر جاءت في توقيت مفصلي. تكتنز هذه الزيارة في ثناياها أهمية آنية وتكتيكية جدية، في محصلة مباشرة إلى مآلات الأحوال المفرطة التي تمر بها كل من فرنسا ومصر. تساعد حتماً في تعزيز المسار التعاوني بينهما. هي ليست الأولى، لكنها مختلفة عن سابقاتها من جهة الظروف المستجدة في العالم وأوروبا والمنطقة الشرق الأوسطية. تشتمل أبعاد أكثر من ثنائية، دولية وعالمية مؤثرة في اشتمال برنامجها على قمة ثلاثية في انتقال ملك الأردن إلى مصر. تتزامن مع زيارة رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي نتنياهو المفاجئة إلى أميركا. تأتي كذلك بعد اعلان الرئيس الأميركي ترامب حربه الضرائبية ومعركته الجمركية على العالم لحماية أميركا وتحريرها. فما دلالات هذه الزيارة؟ هل يعول عليها؟ وما هي نتائجها؟
تحتوي هذه الزيارة من حيث الشكل على أربعة مسارات:
المسار الأول – العلاقات الثنائية الوطنية الفرنسية والمصرية: تؤكد هذه الزيارة على أهمية العلاقة الخاصة غير المستجدة بين كل من باريس والقاهرة. يأتي أمر رفع مستواها إلى مرحلة الشراكات الاستراتيجية، كتعبير صريح عن النوايا الحسنة وقيم الصداقة والتعاون والدعم المتبادل بينهما.
المسار الثاني – تعميق الشراكة المصرية الأورومتوسطية: تكتسب جولة الرئيس الفرنسي مزايا مطلوبة، نظراً إلى الظروف المصيرية التي تمر بها أغلبية المجموعة الدولية في حوض المتوسط وبين ضفتيه الشرقية والغربية. وتناشد فرنسا ومصر في إلى التعاون الملح. تدعو إلى التعاضد في مواجهة الويلات والمصاعب. لذا تحمل الزيارة في طياتها اشارات مؤسسة ما فوق الثنائية. تنعكس بحسب ما تمثله فرنسا فرنسياً وأوروبياً على مستوى القارة العجوز، ما تملكه من نفوذاً كبيراً داخل الاتحاد الأوروبي. يضاف إليهم ما تمثله مصر من أهمية جيو-استراتيجية، من حيث المكان والمكانة العربية والمتوسطية.
تؤكد هذه الزيارة على أهمية العلاقة الخاصة غير المستجدة بين كل من باريس والقاهرة
المسار الثالث – حرب غزة: تخصص هذه الزيارة مساحة كبيرة متعلقة بحرب غزة. تولي اهتماما كبيراً في كل ما له صلة بها أو يتفرع عنها وخاصة في لبنان ومسألة الحفاظ على اتفاق وقف اطلاق النار. تناقش تثبيت ظروف الحل وأشكاله. يتجلى تفاهم فرنسي ومصري كامل على ضرورة الحل المنسجم مع القرارات والمواثيق الدولية. تنطلق من المبادرة للملك السعودي الراحل عبدلله بن عبد العزيز في قمة بيروت في العام 2002. وتقوم في جوهرها على حل الدولتين ضمن حدود ١٩٦٧. يرفض الطرفان التهجير بشكل مطلق. يجابهان بقوة معضلة أن تكون غزة لغير الغزيين.
المسار الرابع – تداعيات حرب التحرير الترامبية في حماية أميركا وتأثيرات الهجمة الأميركية الكونية الضرائبية والجمركية على الاقتصادات العالمية والعربية. تركزعلى مشاريع المستقبل الحيوية التي تعد من مسلمات الأمان الوجودي. حيث تعد شراكات الطاقة والغاز في منطقة المتوسط وخاصة بين مصر وفرنسا أولوية. تناقش هذه الزيارة مفهوم الأمن القومي المشترك في حوض المتوسط، وهنا سيكون الموضوع اللبنانية على الطاولة من ناحية حماية اتفاقية وقف الأعمال العدائية. يصار التأكيد على تنفيذه، والزامية ضرورة تحصينه في التوصل إلى وقف اطلاق نار شامل وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي. سيما وأن البلدين متشاركين في عضوية اللجنة الخماسية السياسية. حيث ساعدت في انهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس الجمهورية. ودعمت تشكيل حكومة العهد الأولى وانطلاقته.
تخصص هذه الزيارة مساحة كبيرة متعلقة بحرب غزة. تولي اهتماما كبيراً في كل ما له صلة بها أو يتفرع عنها وخاصة في لبنان
يتطلع الطرفان المصري والفرنسي إلى استمرارية تعزيز مستوى تقييم العلاقات فيما بينهم، مع دعم فرنسا الدائم لمصر في مواصلة المزيد من المحادثات مع صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية وتكريس نمطية التلاحم الاقتصادي والتعاون السياسي المفيد. تريد فرنسا الالتزام في الاستقرار المصري. تهتم به كثيرا، تعتبره أولوية مع كل الدول المجاورة. تتشارك باريس مع القاهرة في ورشة اعادة ترشيد ما تبقى من المنطق السليم للقرارات الدولية وضرورية البناء عليها، رغم توسع كل مناخات الغموض وانغماس المنطقة والعالم في آتون البيئات اللايقينية. يتفقان بشكل شامل على اطار الحل الشامل للحرب في غزة والأزمة اللبنانية. يصران على الرفض المطلق للتهجير القسري للسكان الفلسطينيين في قطاع غزة. يعارضان أي عملية ضم سواء في الضفة الغربية أو في القطاع. ويشددون على أن تكون غزة للغزيين فقط، حيث سيكون عكس ذلك انتهاك للقانون الدولي، تهديد خطير في ثبات معايير الأمن القومي في المنطقة والعالم.
تتجلى الأهمية الاقليمية والدولية لهذه القمة في احتواء برنامجها عقد على قمة ثلاثية فرنسية مصرية اردنية. تجمعهم طريقة انهاء حرب غزة وعدم التهجير، اضافة إلى وحدانية الرؤية حول التسوية النافعة. تؤكد في عمقها على أفضلية حل الدولتين، ضمن سقف مبادرة الملك السعودي الراحل عبدلله بن عبد العزيز آل سعود في قمة بيروت العربية في العام 2002. تضغط من أجل الزامية العودة إلى حالة وقف اطلاق النار. تعد هذه القمة الثلاثية جزءا، من المؤتمر القادم المقرر عقده برئاسة المملكة العربية السعودية في شهر حزيران القادم في الأمم المتحدة، لمناقشة أحوال الصراع ووضع المسودة التنفيذية تحت عنوان حل الدولتين.
يتطلع الطرفان المصري والفرنسي إلى استمرارية تعزيز مستوى تقييم العلاقات فيما بينهم، مع دعم فرنسا الدائم لمصر
تكرس هذه الزيارة مشهديات التشاركية الدولية الاقليمية، هي مصرية في الظاهر، لكنها متعلق بكل المنطقة العربية وكذلك حوض المتوسط. تناقش القضية الفلسطينية في العمق. تسعى في طمأنة الهاجس الأردني المخيف. تخصص مساحة كبيرة لحل الأزمة اللبنانية. تحاول الادارة الفرنسية تعميم منهجية تشابكياتها الايجابية. وتضع نفسها إلى جانب المنطقة وخاصة بعد قرارات ترامب الجنونية. تساعد في امكانية صنع القرارات المفيدة للمنطقة العربية والعالم. تأتي في مقدمتها القضية الفلسطينية. حيث تبدو فرنسا مقتنعة في العمق بجوهر حل الدولتين والمبادرة السعودية، والتي تشكل وحدها الهيكل المتين لكل الحراكات العربية المتينة. فمن الجميزة في بيروت إلى خان الخليلي في القاهرة، يخطط الأمير محمد بن سلمان ويتحرك الرئيس ماكرون ومعه كل الرؤساء العرب ضمن سقف الرؤية السعودية وحدود المبادرة العربية.