نظرة سريعة تكشف انقسام البنية الحالية للجيش السوري إلى شقين: أحدهما لألوية هيئة تحرير الشام، والآخر للفصائل التابعة للجيش الوطني السوري.
دمشق – “النهار”
لا تُخفي تركيا رغبتها في لعب دور محوري في إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد. وقد استقبلت دمشق في الأشهر الأخيرة أكثر من وفد عسكري تركي رفيع المستوى، أبرزها زيارة وزير الدفاع التركي يشار غولر في منتصف آذار/مارس الماضي، يرافقه عدد من المسؤولين. وسرعان ما بادرت أنقرة إلى تعيين ملحق عسكري في سفارتها بدمشق، فأسندت المهمة إلى المقدّم حسن غوز، الذي باشر عمله رسمياً في 5 آذار.
لكنّ تركيا لا تحتاج إلى بذل جهد كبير لتحقيق غاياتها، إذ إن كتلة ضخمة من الفصائل السورية المسلحة عملت مدى السنوات الماضية تحت إشرافها المباشر. فقد أُسس “الجيش الوطني السوري” عام 2017 بمبادرة من أنقرة، التي تكفّلت تمويله وتدريبه. ويتكوّن هذا الجيش من مئات الفصائل التي اندمجت في ثلاثة فيالق، باتت تُشكّل قوام الجيش الموالي لتركيا، كما يُعرّف إعلامياً وشعبياً.
وعلى رغم استمرار الغموض في كثير من تفاصيل خطة وزارة الدفاع السورية لحل الفصائل وإعادة دمجها في الجيش الجديد، فإن نظرة سريعة تكشف انقسام البنية الحالية للجيش إلى شقين: أحدهما لألوية هيئة تحرير الشام، والآخر للفصائل التابعة للجيش الوطني السوري.
وتُظهر تقسيمات الفرق العسكرية وتعيين قادتها أن الفصائل الموالية لتركيا حازت النصيب الأكبر، قياساً بتلك التي لم تنسجم مع التوجهات التركية. كما أن القادة الموالين لأنقرة حصلوا على مناصب قيادية رفيعة، خصوصاً في المحافظات الشمالية المحاذية للحدود التركية، في حين لم ينل بعض قادة الفيالق سوى مناصب إدارية أو تعليمية داخل المؤسسة العسكرية.
ويؤكد تعيين فهيم عيسى، قائد الفيلق الثاني في الجيش الوطني السوري، وقائد فصيل “السلطان مراد” وغرفة عمليات “عزم” سابقاً، في منصب نائب وزير الدفاع وقائد المنطقة الشمالية، أن معيار الولاء للمصالح التركية كان حاسماً في توزيع المناصب العليا.
ويُعدّ عيسى من أقرب القادة السوريين إلى أنقرة، ليس لانتمائه إلى المكوّن التركماني فحسب، بل أيضاً لأنه كان شديد التماهي مع السياسات والمصالح التركية خلال سنوات خدمته في الجيش السوري الوطني.
فهيم عيسى
فهيم عيسى
أما هيكل المنطقة الشمالية اليوم، فقد بات واضح المعالم. إذ يقف عيسى على رأسه، وتتفرع منه فرقتان عسكريتان تتولى كل منهما إدارة محافظة: فرقة إدلب بقيادة محمد غريب (أبو أسيد الحوراني)، أحد قادة فيلق الشام الذي طالما وصف بأنه الأقرب إلى القلب التركي نتيجة عوامل كثيرة، قد يكون أهمها قربه من جماعة “الإخوان المسلمين” التي تحظى برعاية سياسية تركية لافتة ومميزة ليس في سوريا فحسب بل في العالم. وفرقة حلب الرقم 76 بقيادة العميد سيف بولاد (أبو بكر)، قائد فرقة الحمزة، التي شكلت مع فرقة “العمشات” القوة الضاربة لوزارة الدفاع التركية في الداخل السوري، وهو أيضاً من المكون التركماني.
وبطبيعة الحال، يتولى محمد جاسم (أبو عمشة)، قائد فرقة “السلطان سليمان شاه”، قيادة الفرقة 62 العاملة في محافظة حماة.
وليس من قبيل المصادفة أن يتولى أكثر القادة ولاء لأنقرة أرفع المناصب العسكرية في المحافظات المحاذية للحدود التركية ولا سيما منها حلب وإدلب، علماً أن الحسكة والرقة لا تزالان خارج هيكلة الجيش لتواجدهما تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية (قسد).
والمفارقة أنه بينما تم تعيين أبو عمشة، الذي كان مزارعاً قبل الأزمة السورية، في منصب قائد فرقة بقرار من القيادة العامة، فإن العميد معتز رسلان، الضابط المنشق والخبير بالشأن العسكري، عيّن في منصب هامشي كنائب قائد الكلية الجوية ، رغم أنه كان قائد الفيلق الأول في الجيش الوطني السوري.
كما تولّى العميد فضل الله الحجي، القائد السابق لفيلق الشام والجبهة الوطنية للتحرير، رئاسة الأكاديمية العسكرية، وهو لم يكن قائد فيلق بل كان القائد العسكري لفيلق الشام وقائد الجبهة الوطنية للتحرير. في حين عُيّن عزام غريب (أبو العز سراقب)، قائد الفيلق الثالث بالجيش الوطني السوري، في منصب مدني هو محافظ حلب. ومن اللافت أن الجبهة الشامية، التي كان يقودها عزام، لم تكن على وفاق مع السياسات التركية، ورفضت إرسال مقاتلين إلى جبهات خارجية.
تثير هذه الهيكلة في المنطقة الشمالية الكثير من التساؤلات بشأن ولاء هذه التشكيلات وقادتها، بالنظر إلى علاقتهم الطويلة بالسياسة التركية، وتفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: هل وجود القادة الأجانب هو المعضلة الوحيدة التي يعاني منها الجيش السوري الجديد كما تركز المطالب الأميركية؟ أم أن الارتباط بالتمويل والتدريب والولاء لدول خارجية خارجية قد يلعب أيضاً دوراً في تقويض الطابع الوطني لهذا الجيش ويُبقي على شبهة الارتزاق التي التصقت ببعض فصائله؟
العلامات الدالة