خيّب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، آمال الأرمن في كلّ العالم، بعدم وصفه مجازر عام 1915 ضدّ الأرمن، والتي ارتُكبت على يد السلطات العثمانية، بأنها «إبادة». وفي الذكرى العاشرة بعد المئة لهذه الأحداث، توجّه ترامب برسالة إلى الشعب الأرميني في الولايات المتحدة والعالم، واصفاً ما حدث في الحقبة المذكورة بأنه «كارثة كبرى» ( Meds Yeghern)؛ وهو التعبير نفسه الذي كان استخدمه في آخر رسالة له في ولايته الأولى عام 2019، قبل أن يكسر الرئيس اللاحق، جو بايدن، القاعدة، ويعترف على امتداد ولايته الأخيرة بأن مجازر 1915 هي «إبادة».
وإذ كان الجميع يترقب ما سيقوله ترامب في هذه الذكرى، في ضوء أكثر من عامل منها التذبذبات التي تطبع قرارات الرئيس في كل المجالات؛ وما شهدته العلاقات التركية – الأميركية، منذ انتخابه، من غزل واضح، ولا سيما وصفه نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، بأنه «قائد شجاع وقوي استطاع أن يستولي على سوريا»، وإعلانه أنه سيتعاون معه في سوريا والمنطقة، فقد جاء عدم اعترافه بالإبادة لعدم إغضاب إردوغان، ومراعاةً لمصالح الولايات المتحدة في التعامل مع حليف قوي، ليصيب الأرمن، ولا سيما في الشتات، بصدمة.
ولا شكّ في أن هذا الموقف قد يترك انعكاسات سلبية على جهود إيجاد حلّ نهائي للنزاع الآذربيجاني – الأرميني، بما ينسجم مع التوجهات الأميركية – التركية. ومع أن رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، أحيا ذكرى الإبادة، إلا أن الخلافات لا تفتأ تتّسع بينه وبين المعارضة في الداخل وأرمن الشتات، والتي اتهمته بأنه احتفل بالذكرى بصورة خجولة ويعمل على التقليل من أهمية إحيائها؛ علماً أنه كان أعلن، في آذار الماضي، في حديث إلى مجموعة من الصحافيين الأتراك، أن «انتزاع الاعتراف بالإبادة ليس من أولويات السياسة الخارجية الأرمينية»، وأن «الهمّ الأساسي هو الحفاظ على الدولة الأرمينية».
كذلك، واجهت الاتفاقيات بين أرمينيا وآذربيجان لترسيم الحدود اعتراضات داخل يريفان، واتهامات لباشينيان بأنه يفرط بأراضي الأرمن، فضلاً عن اتهامه بالتسبّب أساساً في الهزيمة الكبرى عام 2020 أمام آذربيجان، وتشجيع سكان قره باغ على مغادرتها عام 2023، وصولاً إلى إبدائه الاستعداد لتوقيع اتفاقية سلام مع الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف، بشروط الأخير.
هذا الموقف قد يترك انعكاسات سلبية على جهود إيجاد حلّ نهائي للنزاع الآذربيجاني – الأرميني
ومن جهته، شارك الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الأرمن في إحياء ذكرى ما سمّاها «الأحداث الأليمة» التي شهدها عام 1915، باعثاً برسالة إلى بطريرك الأرمن في تركيا، ساهاك مشاليان – في خطوة يدأب على فعلها كل عام منذ عام 2012 – حيّا فيها «ذكرى العثمانيين الأرمن الذي فقدوا أرواحهم في ظروف قاسية خلال الحرب العالمية الأولى»، عازياً تلك الظروف إلى «التمردات وحركات العصابات المتزايدة وأعمال التخريب التي كانت تقوم بها جماعات مسلحة كما الأمراض الوبائية».
وشدد على أن «الذكريات الفعالة للماضي يجب ألا تأسر حاضرنا ومستقبلنا»، مؤكداً «(أننا) سنعيش بحرية إلى الأبد كمواطنين فخورين للجمهورية التركية في ظلال السعادة والثقة التي يمنحها لنا العَلم ذو النجمة والهلال، وسنمضي لنؤسس معاً القرن التركي». وفي المقابل، قالت وزارة خارجية أرمينيا، في بيان، إن «أرمينيا تتذكر الماضي وتتطلع إلى المستقبل، وإلى بناء بيئة للأجيال القادمة خالية من التمييز والعنف، ومستندة إلى قيم التسامح والاحترام وحماية حقوق الإنسان والسلام».
وعلى هامش ذلك، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً يرفض «أيّ تصريحات بشأن أحداث 1915 تتعارض مع الحقائق التاريخية والقانون الدولي، وتستغل معاناة الماضي لأغراض سياسية»، مكرّرةً الدعوة إلى إنشاء لجنة تاريخية مشتركة لدراسة تلك الأحداث، كما دعْم عملية التطبيع الجارية بين تركيا وأرمينيا.
وتعليقاً على ما تقدّم، ترى صحيفة «آغوس» الأرمينية الصادرة باللغة التركية في إسطنبول، أنه بعد مئة وعشرة أعوام، «لا يزال النقاش عمّا إذا كان ذكر الإبادة جريمة أم لا؛ فالتضييق على كلّ من يحاول إحياء ذكرى الإبادة قائم على قدم وساق، حتى إن إحدى الإذاعات (في تركيا) أغلقت لأنها ذكرت مصطلح إبادة في أخبارها، وأن دعاوى رُفعت ضدّ نقابة المحامين في ديار بكر لكمّ أفواه من يطرحون على النقاش مسألة الإبادة».
ورأت أن الهدف مما تقدّم هو «تخويف من يريدون الحديث عن الإبادة، وهم ينجحون غالباً في ذلك»، مشيرةً إلى أن «المحاكم الإدارية تمنع نشاطات متفرقة، متذرّعة بأن مجرد ذكر مصطلح «مذبحة» أو «إبادة جماعية» يعرّض النظام العام للخطر»، مضيفة أن «الزمن لا يمكن نسيانه إلا بمواجهة الحقيقة، لا البناء على جروح مفتوحة».
وكتب يتفارت دنزيكيان، بدوره، في الصحيفة نفسها، منتقداً باشينيان الذي «يحاول تعليق جهود إحياء الذكرى كي لا تتأثّر سلباً مساعي التطبيع مع تركيا، في ظلّ الخوف من شنّ آذربيجان حرباً جديدة على أرمينيا». كما انتقد الكاتب تركيا التي «رفضت إحياء الذكرى سابقاً بسبب كورونا، لكن الوباء انتهى والمنع لا يزال سارياً». وقال دنزيكيان إن «إردوغان يقول إن ما يجري للفلسطينيين في غزة إبادة، وهذا صحيح جدّاً؛ وإنه ضدّ تهجير الفلسطينيين وترحيلهم»، متسائلاً: «ألا ينسحب هذا على كلّ أنواع التهجير (المصطلح الملطّف الذي تستخدمه أنقرة عن إبادة الأرمن)، والإبادة الجماعية التي تمارسها الدولة التركية منذ 110 أعوام على أراضي تركيا؟ ومتى سنواجهه ونعترف به؟».