ملخص
بدأ الرئيس السوري تنفيذ بعض لائحة المطالب الأميركية منه والتزم تنفيذ بعضها الآخر مع حاجته إلى وقت وقرار صعب بالنسبة إلى إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد، ومنع منحهم الجنسية وضمهم إلى الجيش.
لا شيء اسمه وجبة مجانية، بحسب المثل الإنجليزي الشهير، ولا من خارج الحسابات الواقعية الدقيقة بدأ الانفتاح العربي والدولي على الإدارة الجديدة في سوريا قبل أن تمسك بالبلد تماماً، فكل شيء موقت في انتظار البراهين العملية، وكل خطوة لها ثمن أقله خطوات في الداخل.
والثابت في حسابات الانفتاح وأسبابه هو أهمية الموقع الإستراتيجي والجيوسياسي لسوريا، وإسقاط نظام الأسد وإخراج نفوذ الملالي من الشام وتحويل ما كان جسراً للمشروع الإقليمي الإيراني إلى جدار عازل وقوة صد، والمتغير هو الأثمان المطلوبة عبر لوائح تضيق أو تتوسع، بحسب الظروف ومدى تجاوب دمشق.
ذلك أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع حصل على الفرصة التي عمل لها بنشاط في الخارج مع دفع من السعودية وتركيا وقطر، فالوسيط القوي بينه وبي أميركا وأوروبا هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ثم يأتي دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبناء على رغبة الأمير محمد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا من قبل أن يُبلغ إدارته بالقرار، والتقى الشرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي وحضور تقني لأردوغان.
أما لائحة المطالب الأميركية من الشرع فإن الرئيس السوري بدأ تنفيذ بعضها والتزم تنفيذ بعضها الآخر، مع حاجته إلى وقت وقرار صعب بالنسبة إلى إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد ومنع منحهم الجنسية وضمهم إلى الجيش، فهم نحو 30 ألف مقاتل كانوا رأس الحربة في معركة “هيئة تحرير الشام”، وأما أوروبا التي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من استقبل الشرع في قصر الإليزيه فإنها سبقت ترمب في تخفيف بعض العقوبات عن سوريا ثم زادت عيار التخفيف بعد القرار الأميركي.
لكن الكل يعرف أن الرهان هو على امتحان في لعبة مكشوفة على الطاولة، وإذا كانت دمشق قد أجرت مفاوضات مع إسرائيل بوساطة من دولة الإمارات وحتى باتصال مباشر مع حكومة بنيامين نتنياهو للحد من الاجتياح الإسرائيلي لأراض سورية في حوض اليرموك بعد احتلال المنطقة المجردة من السلاح بحسب اتفاق فك الارتباط عام 1974، فإن من الصعب على الشرع الانضمام إلى “الاتفاقات الإبراهيمية” كما طلب منه ترمب، ففي رفع العقوبات الأميركية كثير من التعقيدات بين المفروض بقرارات رئاسية وقرارات في وزارتي الخزانة والخارجية، وبين المفروض بقوانين في الكونغرس وأخطرها “قانون قيصر”، وهي مرتبطة بمهلة مدتها 180 يوماً لمراقبة السلوك في سوريا.
4 خطوات تفصل دمشق عن رفع العقوبات الأميركية
والفارق كبير بين رفع العقوبات والاعتراف الرسمي بالإدارة الجديدة، فلا تطبيع حتى الآن، بصرف النظر عن رفع العقوبات، وإذا كان رفع العقوبات قد فتح الباب أمام الاستثمارات وإعادة إعمار سوريا وحديث الشرع عن “مشروع مارشال” لسوريا واستعداده لإعطاء الأولوية للشركات الأميركية، فإن العقوبات ليست قليلة وإزالتها تحتاج إلى وقت، من إكمال الصورة القانونية للنظام الاقتصادي السوري إلى وضوح البنية السياسية للنظام، مروراً بأمر بالغ الأهمية وهو النظام القضائي ووجود قضاء مستقل في البلد يطمئن المستثمرين، فلا اطمئنان في قاعدة هشة وإن كانت مدعومة عربياً وإقليمياً.
ولا حدود للمبالغ التي تحتاج إليها إعادة الإعمار ومعاودة النشاط الاقتصادي في بلد إنهار دخله القومي إلى حدود 7 مليارات دولار، ولم يترك النظام الساقط في مصرفه المركزي أكثر من 200 مليون دولار، ويحتاج إلى 50 عاماً للعودة لما كان عليه عام 2010، وما بين 500 و800 مليار دولار.
والتحدي بعد النجاح الأولي في امتحان الانفتاح على الخارج هو الانفتاح على الداخل، فلا شيء يجعل المكاسب في الخارج ثابتة سوى بناء سلطة على قياس التنوع في المجتمع السوري والخروج من مقاييس الجهادية السلفية الضيقة على سوريا، ولا معنى للحديث عن وحدة سوريا مع الاستمرار في التضييق والاعتداءات على الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية والكردية، لأن شرط الوحدة هو أن تكون “سوريا لكل السوريين” باعتراف الشرع، فلا أكثرية ولا أقليات، بل دولة مواطنة، ولا قوة خارجية مهما تكن لديها من مخططات للتقسيم والتفتيت، مثل إسرائيل، يمكن أن تنجح في مواجهة الوطنية السورية والشراكة الوطنية في الدولة، ولعل سوريا في حاجة إلى بند في دستورها على غرار البند في مقدمة الدستور اللبناني الذي نصه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.
في كتاب جديد تحت عنوان “من الجهاد إلى السياسة: كيف تبنى جهاديون سوريون السياسة”، يسجل المؤلف جيروم دريفون تحولات “هيئة تحرير الشام” من جبهة النصرة التابعة لـ “القاعدة” والإرهاب والزرقاوي و”داعش” إلى حركة سياسية أدارت بلديات وحكومة في إدلب، والكل في الداخل والخارج يسأل إن كانت الإدارة السورية الجديدة قادرة ومستعدة لأن تصبح معتدلة وبراغماتية وجامعة أم أن الجهادية السلفية متجذرة فيها، والجواب على الطريق.