–
بانضمام 3500 مقاتل من الحزب الإسلامي التركستاني (الأيغور الصينيين) إلى الجيش السوري الجديد، بمباركة أميركية وغربية، فإنّ إحدى أكبر العقبات والعقد التي كانت تقف في وجه النظام السوري الجديد، وكانت مطلباً رسمياً أميركياً وغربياً وعربياً، انتهت.
تبدو الطريق معبّدة أكثر من أيّ وقت مضى لاستكمال الشرعية السياسية الدولية للنظام الجديد في سورية، مع تجميد العقوبات ورفعها عن الدولة، ورفع أسماء قيادات هيئات تحرير الشام عن قوائم الإرهاب، وعن تجميد الأموال، وأغلب القيود التي جعلت سورية فترة طويلة تحت طائلة العقوبات الاقتصادية التي أضرّت بصورة كبيرة بالاقتصاد السوري.
لكن لماذا غيّرت أميركا موقفها من إدماج الأيغور في الجيش السوري؛ بخاصة أنّ هذه القضية، كما ذكرت أوساط دبلوماسية عربية، كانت “عقدة كبيرة” في مفاوضات الغرف السريّة بين دمشق وواشنطن وعواصم غربية وعربية؟
نقطة التحول المفصلية انفكاك السياسة الأميركية تجاه سورية من المنظور الإسرائيلي – اللوبي الصهيوني إلى المنظور التركي – السعودي (والأردني والقطري)، والتحرّر من رؤية بنيامين نتنياهو والتيار اليميني الإسرائيلي، الذي لم يكن يريد إلّا سورية مقسّمة وضعيفة ومجزّأة، وبالمناسبة لن ييأس من وضع التصورات والسياسات التي تحقق هذه الرؤية.
المتغيّر الثاني إدراك المسؤولين والسياسيين الأميركيين والغربيين والعرب كذلك أنّ مسألة الأيغور الصينيين بالنسبة للرئيس أحمد الشرع شخصياً كانت خطّاً أحمر، كما يؤكّد دبلوماسيون عرب شاركوا في النقاشات، إذ بالرغم من الضغوط الشديدة عليه، أصرّ على أنّه لن يتمكن من التخلي عنهم، بعد ما قدّموه من أدوار مهمة وأساسية في حماية إدلب في مرحلة حسّاسة، وفي إسقاط النظام السوري، فضلاً عن أنّ تخليه عنهم سيُضعف مصداقيته وسمعته في أوساط أبناء هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة السورية المسلّحة التي وقفت معه في المرحلة الماضية.
على الجهة المقابلة، لم تكن هنالك أيّ جهة دولية مستعدة لاستقبال هؤلاء المقاتلين، والذهاب نحو نموذج البوسنة في تخيير المقاتلين الأجانب بين الحياة المدنية ومغادرة البلاد أو “مدْننتهم”، كما يرى حسن جابر، (الباحث في معهد السياسة والمجتمع المتخصص بالشأن السوري) فيه مخاطرة كبيرة باستقطابهم من خلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يحاول استثمار الفرصة الحالية في سورية لإعادة بناء عملياته وتدشينها في مواجهة النظام السوري الجديد، ما قد يسهّل عملية استقطابهم، بخاصة أنّهم ينتمون إلى الحركة الجهادية العالمية، التي يمثّل “داعش” اليوم العمود الفقري الرئيس فيها، بعدما أصبح تنظيم القاعدة أشبه بالشبح العاجز، بخاصة بعد مقتل أيمن الظواهري وانقلاب حركة طالبان عليه.
لن ينهي حل مشكلة الأيغور كل الملفات العالقة في الحالة الداخلية، فهناك مسائل أخرى عديدة، أهمها ما يتعلّق بالاندماج الداخلي واستكمال حلقات الشرعية الدستورية والسياسية والتوافق على قواعد اللعبة السياسية الجديدة في البلاد، ومدى التوافق على تعزيز نموذج ديمقراطي – تعدّدي، يأخذ بالاعتبار الاختلافات والتنوعات الإثنية والدينية والطائفية، وهي مسائل تتطلب حواراً عميقاً وخطوات متدرّجة، لكن انزياح العقوبات الخارجية والانفتاح الاقتصادي للنظام الجديد، وتحوّل العامل الخارجي (بنسبة كبيرة جداً) إلى متغيّر مساعد ومساند للعملية السياسية الجديدة، هذه جميعاً بمثابة قوة دفع هائلة ومهمّة حصل عليها الشرع وحكومته لاستكمال عملية الانتقال المطلوبة.
من الضروري أن يتأسس فهم المرحلة السورية من الضروري على إدراك أنّ سقوط بشّار الأسد لم يكن بمثابة سقوط نظام واستبداله بآخر جديد، بل اكتشف الجميع أنّه لم يكن هنالك نظام أصلاً، ورثوا خراباً حقيقياً؛ إدارة بيروقراطية متضخّمة، بلا أيّ فعالية، آليات عمل ما تزال محكومة بمنطق عفا عليه الزمن، ومستوى بطالة كبير ومرعب، وما يقارب 90% من السكان تحت خط الفقر، بنية تحتية مدمّرة، وخدمات فاشلة، وأكثر من مليوني طالب خارج التعليم، وأنظمة تعليم مختلفة، بحسب السلطة والإقليم، بلا جيش وبلا أمن، مع ملايين السوريين المهجّرين إلى الخارج؛.. فجوهر المهمّة المطلوبة في المرحلة المقبلة يتجاوز مفهوم الانتقال السياسي من نظام سلطوي إلى نظام جديد، بل هو إعادة بناء دولة “من تحت الصفر”.